الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ( 71 ) )

يقول تعالى ذكره : فانطلق موسى والعالم يسيران يطلبان سفينة يركبانها ، حتى إذا أصاباها ركبا في السفينة ، فلما ركباها ، خرق العالم السفينة ، قال له موسى : أخرقتها بعد ما لججنا في البحر ( لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ) يقول : لقد جئت شيئا عظيما ، وفعلت فعلا منكرا .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( لقد جئت شيئا إمرا ) : أي عجبا ، إن قوما لججوا سفينتهم فخرقتها ، كأحوج ما نكون إليها ، ولكن علم من ذلك ما لم يعلم نبي الله موسى ذلك من علم الله الذي آتاه ، وقد قال لنبي الله موسى عليه السلام : ( فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ) .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ( لقد جئت شيئا إمرا ) يقول : نكرا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( لقد جئت شيئا إمرا ) قال : منكرا .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله ، والإمر : في كلام العرب : الداهية ، ومنه قول الراجز :


قد لقي الأقران مني نكرا داهية دهياء إدا إمرا

[ ص: 73 ]

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : أصله : كل شيء شديد كثير ، ويقول منه : قيل للقوم : قد أمروا : إذا كثروا واشتد أمرهم ، قال : والمصدر منه : الأمر ، والاسم : الإمر .

واختلفت القراء في قراءة قوله : ( لتغرق أهلها ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين ( لتغرق أهلها ) بالتاء في لتغرق ، ونصب "الأهل" ، بمعنى : لتغرق أنت أيها الرجل أهل هذه السفينة بالخرق الذي خرقت فيها . وقرأه عامة قراء الكوفة : ( ليغرق ( بالياء أهلها بالرفع ، على أن الأهل هم الذين يغرقون .

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة الأمصار ، متفقتا المعنى وإن اختلفت ألفاظهما ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب .

وإنما قلنا : هما متفقتا المعنى ، لأنه معلوم أن إنكار موسى على العالم خرق السفينة إنما كان لأنه كان عنده أن ذلك سبب لغرق أهلها إذا أحدث مثل ذلك الحدث فيها فلا خفاء على أحد معنى ذلك قرأ بالتاء ونصب الأهل ، أو بالياء ورفع الأهل .

التالي السابق


الخدمات العلمية