الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإنه لفي زبر الأولين أي: وإن ذكر القرآن لفي الكتب المتقدمة، على أن الضمير للقرآن، والكلام على حذف مضاف، وهذا كما يقال: إن فلانا في دفتر الأمير. وقيل: المراد: وإن معناه لفي الكتب المتقدمة، وهو باعتبار الأغلب؛ فإن التوحيد وسائر ما يتعلق بالذات والصفات وكثيرا من المواعظ والقصص مسطور في الكتب السابقة، فلا يضر أن منه ما ليس في ذلك بحسب الظن الغالب كقصة الإفك، وما كان في نكاح امرأة زيد، وما تضمنه صدر سورة التحريم، وغير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      واشتهر عن الإمام أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - أنه جوز قراءة القرآن بالفارسية والتركية والهندية وغير ذلك من اللغات مطلقا؛ استدلالا بهذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي رواية [ ص: 126 ] تخصيص الجواز بالفارسية؛ لأنها أشرف اللغات بعد العربية لخبر: « لسان أهل الجنة العربي والفارسي الدري ».

                                                                                                                                                                                                                                      وفي رواية أخرى أنها إنما تجوز بالفارسية إذا كان ثناء كسورة الإخلاص، أما إذا كان غيره فلا تجوز.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي أخرى أنها إنما تجوز بالفارسية في الصلاة إذا كان المصلي عاجزا عن العربية، وكان المقروء ذكرا وتنزيها، أما القراءة بها في غير الصلاة أو في الصلاة - وكان القارئ يحسن العربية، أو في الصلاة وكان القارئ عاجزا عن العربية لكن كان المقروء من القصص والأوامر والنواهي - فإنها لا تجوز، وذكر أن هذا قول صاحبيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان - رضي الله تعالى عنه - قد ذهب إلى خلافه، ثم رجع عنه إليه، وقد صحح رجوعه عن القول بجواز القراءة بغير العربية مطلقا جمع من الثقات المحققين.

                                                                                                                                                                                                                                      وللعلامة حسن الشرنبلالي رسالة في تحقيق هذه المسألة سماها (النفحة القدسية في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسية) فمن أراد التحقيق فليرجع إليها.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان رجوع الإمام - عليه الرحمة - عما اشتهر عنه لضعف الاستدلال بهذه الآية عليه، كما لا يخفى على المتأمل.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الكشف أن القرآن كان هو المنزل للإعجاز، إلى آخر ما يذكر في معناه، فلا شك أن الترجمة ليست بقرآن - وإن كان هو المعنى القائم بصاحبه - فلا شك أنه غير ممكن القراءة.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل: هو المعنى المعبر عنه بأي لغة كان، قلنا: لا شك في اختلاف الأسامي باختلاف اللغات، وكما لا يسمى القرآن بالتوراة لا يسمى التوراة بالقرآن، فالأسماء لخصوص العبارات فيها مدخل، لا أنها لمجرد المعنى المشترك اهـ، وفيه بحث فإن قوله تعالى: ولو جعلناه قرآنا أعجميا يستلزم تسميته قرآنا أيضا لو كان أعجميا، فليس لخصوص العبارة العربية مدخل في تسميته قرآنا، والحق أن (قرآنا) المنكر لم يعهد فيه نقل عن المعنى اللغوي فيتناول كل مقروء، أما القرآن باللام فالمفهوم منه العربي في عرف الشرع فلخصوص العبارة مدخل في التسمية؛ نظرا إليه، وقد جاء كذلك في الآية الدالة على وجوب القراءة أعني قوله سبحانه: فاقرءوا ما تيسر من القرآن وبذلك تم المقصود، وجعل (من) فيه للتبعيض وإرادة المعنى من هذا البعض لا يخفى ما فيه، وقيل: ضمير (إنه) عائد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس بواضح، وقرأ الأعمش «زبر» بسكون الباء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية