الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( 75 ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ( 76 ) )

يقول تعالى ذكره : قال العالم لموسى ( ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ) على ما ترى من أفعالي التي لم تحط بها خبرا ، قال موسى له : ( إن سألتك عن شيء بعدها ) يقول : بعد هذه المرة ( فلا تصاحبني ) يقول : ففارقني ، فلا تكن لي مصاحبا ( قد بلغت من لدني عذرا ) يقول : قد بلغت العذر في شأني .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة ( من لدني عذرا ) بفتح اللام وضم الدال وتخفيف النون . وقرأه عامة قراء الكوفة والبصرة بفتح اللام وضم الدال وتشديد النون . وقرأه بعض قراء الكوفة بإشمام اللام والضم وتسكين الدال وتخفيف النون ، وكأن الذين شددوا النون طلبوا للنون التي في لدن السلامة من الحركة ، إذ كانت في الأصل ساكنة ، ولو لم تشدد لتحركت ، فشددوها كراهة منهم تحريكها ، كما فعلوا في "من ، وعن" إذا أضافوهما إلى مكنى المخبر عن نفسه ، فشددوهما ، فقالوا مني وعني . وأما الذين خففوها ، فإنهم وجدوا مكنى المخبر عن نفسه في حال الخفض ياء وحدها لا نون معها ، فأجروا ذلك من لدن على حسب ما جرى به كلامهم في ذلك مع سائر الأشياء غيرها .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان فصيحتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء بالقرآن ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن [ ص: 77 ] أعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من فتح اللام وضم الدال وشدد النون ، لعلتين : إحداهما أنها أشهر اللغتين ، والأخرى أن محمد بن نافع البصري حدثنا ، قال : ثنا أمية بن خالد ، قال : ثنا أبو الجارية العبدي ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ( قد بلغت من لدني عذرا ) مثقلة .

حدثني عبد الله بن أبي زياد ، قال : ثنا حجاج بن محمد ، عن حمزة الزيات ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية فقال : "استحيا في الله موسى " .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا بدل بن المحبر ، قال : ثنا عباد بن راشد ، قال : ثنا داود ، في قول الله عز وجل ( إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استحيا في الله موسى عندها " .

حدثني عبد الله بن أبي زياد ، قال : ثنا حجاج بن محمد ، عن حمزة الزيات ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه ، فقال ذات يوم : رحمة الله علينا وعلى موسى ، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب ولكنه قال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ( مثقلة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية