الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3208 (5) باب: يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

                                                                                              [ 1783 ] عن بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه: أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتى فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال: أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا؟ فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل، من صالحينا فيما نرى. فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضا، فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة، فرجم. قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله! لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزا، فوالله إني لحبلى، قال: إما لا، فاذهبي حتى تلدي. فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة. قالت: هذا قد ولدته، قال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه. فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز. فقالت: هذا يا نبي الله! قد فطمته، وقد أكل الطعام! فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها فتنضح الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها. فقال: مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، ثم أمر بها فصلى عليها، ودفنت.

                                                                                              رواه مسلم (1695) (23) وأبو داود (4442) والنسائي في الكبرى (7167). [ ص: 98 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 98 ] و(قوله: وأمر الناس فرجموها ) ظاهره: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرجمها معهم، لا في أول الأمر ولا في آخره، فلا يلزم الإمام أن يبدأ بالرجم، وهو مذهب الجمهور، وقد ذهب أبو حنيفة إلى أنه إن ثبت الزنى بالإقرار حضر الإمام، وبدأ قبل الناس بالرجم، وإن كان بالشهادة حضر الشهود، وبدؤوا بالرجم قبل الناس.

                                                                                              قلت: وأحاديث هذا الباب ترد ما قاله أبو حنيفة غير أنه وقع في كتاب أبي داود من حديث الغامدية : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حصاة مثل الحمصة فرماها [ ص: 99 ] به وهي رواية شاذة، مخالفة للمشهور من حديث الغامدية .

                                                                                              و(قوله: فتنضخ الدم على وجه خالد ) أي: تطاير متفرقا، وهو بالخاء المعجمة، والعين النضاخة هي الفوارة بالماء الغزير الذي يسيل ويتفرق، وقد روي بالحاء المهملة، وهو الرش الخفيف، وهو أخف من النضخ - بالخاء المعجمة.

                                                                                              و(قوله: مهلا يا خالد !) أي: كف عن سبها، ففيه دليل على أن من أقيم عليه الحد لا يسب، ولا يؤذى بقذع كلام.

                                                                                              و(قوله - صلى الله عليه وسلم -: لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ) صاحب المكس: هو الذي يأخذ من الناس ما لا يلزمهم شرعا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، ولا شك في أنه من أعظم الذنوب، وأكبرها، وأفحشها، فإنه غصب، وظلم، وعسف على الناس، وإشاعة للمنكر، وعمل به، ودوام عليه. ومع ذلك كله إن تاب من ذلك، ورد المظالم إلى أربابها صحت توبته، وقبلت، لكنه بعيد أن يتخلص من ذلك; لكثرة الحقوق وانتشارها في الناس، وعدم تعيين المظلومين، وهؤلاء كضمان ما لا يجوز ضمان أصله من الزكوات، والمواريث، [ ص: 100 ] والملاهي، والمرتبين في الطرق، إلى غير ذلك مما قد كثر في الوجود، وعمل عليه في سائر البلاد.




                                                                                              الخدمات العلمية