الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3211 (8) باب

                                                                                              إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

                                                                                              [ 1788 ] عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بيهودي ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود، فقال: ما تجدون في التوراة على من زنى؟ قالوا: نسود وجوههما ونحملهما، ونخالف بين وجوههما، ويطاف بهما. قال: فأتوا بالتوراة إن كنتم صادقين. فجاؤوا بها فقرؤوها، حتى إذا مروا بآية الرجم، وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها وما وراءها، فقال له عبد الله بن سلام - وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم-: مره فليرفع يده، فرفعها، فإذا تحتها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال عبد الله بن عمر: كنت فيمن رجمهما، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه.

                                                                                              وفي رواية: إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا، وساقه بنحو ما تقدم.

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 7) والبخاري (3635) ومسلم (1699) (26 و 27) وأبو داود (4446) والترمذي (1436).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (8) ومن باب إقامة الحد على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

                                                                                              (قوله: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بيهودي ويهودية قد زنيا ) وفي الرواية الأخرى: ( إن اليهود جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل وامرأة قد زنيا ) وفي الثالثة: ( مر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهودي محمم مجلود ) هذه الروايات كلها متقاربة في المعنى، ولا يعد مثل هذا اضطرابا; لأن ذلك كله حكاية عن حال قضية وقعت، فعبر كل منهم بما تيسر له، والكل صحيح؛ إذ هي متواردة على أنه حضر بين يديه - صلى الله عليه وسلم - يهودي زنى بيهودية، وهو في موضعه.

                                                                                              وفي كتاب أبي داود : أنه كان في المسجد، غير أنه قد جاء في كتاب أبي داود أيضا من حديث ابن عمر ما يظهر منه تناقض، وذلك أنه قال: (أتى نفر من يهود فدعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى القف فأتاهم في بيت المدراس، فقالوا: يا أبا القاسم ! إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم بينهم، وظاهر هذا أنه مشى [ ص: 109 ] إليهم، وأن ذلك لم يكن في مسجده، بل في بيت درسهم، ويرتفع هذا التوهم بحديث أبي هريرة الذي ذكره أبو داود أيضا، واستوفى هذه القصة، وساقها سياقة حسنة فقال: زنى رجل من اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنه نبي بعث بالتخفيفات، فإن أفتى بالفتيا دون الرجم قبلناها، واحتججنا بها عند الله، وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك، قال: فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ! ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: (أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ! ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟) قالوا: يحمم، ويجبه، ويجلد - والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار، وتقابل أقفيتهما، ويطاف بهما - قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - سكت: ألظ به النشدة، فقال: اللهم إذ نشدتنا، فإنا نجد في التوراة الرجم، وساق الحديث إلى أن قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فإني أحكم بما في التوراة) فأمر بهما فرجما.

                                                                                              فقد بين في هذا الحديث: أن اليهود جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في مسجده، ثم بعد ذلك مشى معهم إلى بيت المدراس بعد أن سألوه عن ذلك، على ما رواه ابن عمر ، وذكر في هذا الحديث أيضا السبب الحامل لهم على سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه يدل مساق قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم إلى آخر الآيات [المائدة : 41] وما بعدها.

                                                                                              وذكر أبو داود أيضا من حديث جابر فقال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، فقال: (ائتوني بأعلم رجلين منكم) فأتوا بابني [ ص: 110 ] صوريا ، فنشدهما: (كيف تجدون في التوراة؟) قالا: نجد في التوراة: إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة; رجما. وذكر الحديث. قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشهود، فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا فرجه في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر برجمهما.

                                                                                              قلت: فالحاصل من هذه الروايات: أن اليهود حكمت النبي - صلى الله عليه وسلم - فحكم عليهم بمقتضى ما في التوراة، واستند في ذلك إلى قول ابني صوريا ، وأنه سمع شهادة اليهود وعمل بها، وأنه ليس الإسلام شرطا في الإحصان، وهذه مسائل يجب البحث عنها، فلنشرع في ذلك مستعينين بالله.

                                                                                              المسألة الأولى في التحكيم: فإذا ترافع أهل الذمة إلى الإمام، فإن كان ما رفعوه ظلما، كالقتل العدوان، والغصب، حكم بينهم، ومنعهم منه بلا خلاف. وأما إن لم يكن كذلك; فالإمام مخير في الحكم بينهم وتركه عند مالك والشافعي ، غير أن مالكا رأى الإعراض عنهم أولى، فإن حكم حكم بحكم الإسلام، غير أن الشافعي قال: لا يحكم بينهم في الحدود. وقال أبو حنيفة : يحكم بينهم على كل حال، وهو قول الزهري ، وعمر بن عبد العزيز ، والحكم ، وروي عن ابن عباس ، وهو أحد قولي الشافعي ، والأولى ما صار إليه مالك لقوله تعالى: فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم [المائدة: 42] وهو نص في التخيير.

                                                                                              ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث حكم عليهم فعل أحد ما خيره الله تعالى فيه، غير أنه يبقى على مالك أن يقال له: لم قلت: إن الإعراض عنهم أولى مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حكم بينهم؟ ولا يتخلص من ذلك بأن يقال: لأنهم يستهزئون بأحكام المسلمين; لأنا نقول: إن أظهروا ذلك [ ص: 111 ] عاقبناهم، وإن أخفوه، فما يخفون من اعتقادهم تكذيب نبينا - صلى الله عليه وسلم - أكبر، مع قطعنا بأنهم يعتقدون ذلك، لكنا عاقدناهم على ذلك، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم منهم أنهم يهزؤون بديننا وأحكامنا، ومع ذلك فحكم عليهم وأقرهم، ألا تسمع إلى قوله تعالى: وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا [المائدة: 58] ؟!

                                                                                              وأما قول الشافعي : إنه لا يحكم بينهم في الحدود، فمخالف لنص الحديث المذكور في الواقعة، فلا يعول عليه. وقد تأول الشافعي حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - على اليهود بالرجم بأن ذلك منه كان إقامة لحكم كتابهم لما حرفوه وأخفوه، وتركوا العمل به، ألا ترى أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: ( اللهم! إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه ).

                                                                                              وأيضا: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بعد نزل عليه حكم الزاني؛ ولذلك جاء في بعض طرق هذا الحديث: أن ذلك كان حين قدم المدينة ، وأيضا: فلأنه - صلى الله عليه وسلم - قد استثبت ابني صوريا عن حكم التوراة، واستحلفهما على ذلك.

                                                                                              وأقوال الكفار في الحدود وفي شهاداتهم عليها غير مقبولة بالإجماع، لكن فعل ذلك على طريق إلزامهم ما التزموه وعملوا به، وقد قال هذا كله بعض أصحابنا، وهذا البحث هو المسألة الثانية.

                                                                                              والجواب عنه أن نقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - حكم بما علم أنه حق من التوراة، وأنه حكم الله، ولولا ذلك لما أقدم على قتل من ثبت أن له عهدا، ثم لا يلزم أن يكون طريق حصول العلم بذلك له قول ابني صوريا ، بل الوحي، أو ما ألقى الله تعالى في روعه من تعيين صدقهما فيما قالاه من ذلك.

                                                                                              ولا نسلم أن حكم الرجم لم يكن مشروعا له قبل ذلك، فإنها دعوى تحتاج إلى إثباتها بالنقل، سلمنا ذلك، لكنا نقول: من ذلك الوقت بيان مشروعية الرجم ومبدؤه، فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاد بما فعله إقامة حكم التوراة، وبيان أن ذلك حكم شريعته، وأن التوراة يحكم بما صح وثبت فيها أنه حكم الله، وعلى هذا يدل قوله تعالى: إنا أنـزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا [المائدة: 44] وهو نبي من الأنبياء، وقد قال عنه [ ص: 112 ] أبو هريرة : (فإني أحكم بما في التوراة) على ما ذكره أبو داود ، وقد استوفينا هذا المعنى في الأصول.

                                                                                              المسألة الثالثة في شهادة أهل الذمة : فالجمهور على أن الكافر لا تقبل شهادته على مسلم ولا على كافر; لأن الله عز وجل قد شرط في الشهادة العدالة، والكافر ليس بعدل; ولأن الفاسق المسلم مردود الشهادة بالنص، فالكافر أولى; ولأن العبد المسلم مسلوب أهلية الشهادة للكفر الأصلي الذي كان سبب رقه، فالكفر الحاصل في الحال أولى بأن يكون مانعا، ولا فرق بين الحدود وغيرها، ولا بين السفر والحضر، وقد قبل شهادتهم جماعة من التابعين، وأهل الظاهر إذا لم يوجد مسلم; تمسكا بما ذكرناه من حديث أبي داود المتقدم.

                                                                                              وقال أحمد بن حنبل : تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين في السفر عند عدم المسلمين؛ تمسكا في ذلك بما جاء في كتاب أبي داود عن الشعبي : أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء هذه، ولم يجد أحدا من المسلمين يشهد على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب ، فقدما الكوفة ، فأتيا الأشعري ، فأخبراه، وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحلفهما بعد العصر بالله: ما كذبا، ولا خانا، فأمضى شهادتهما .

                                                                                              [ ص: 113 ] ولا حجة فيه; لأنه مرسل وموقوف، ولو صح فلم يحكم بمجرد شهادتهما حتى ضم إليها يمينهما، والشاهد لا يستحلف، وإنما كان هذا من أبي موسى عملا بما [تفيده القرائن]. والله تعالى أعلم.

                                                                                              فأما أخبار أهل الكفر فيما لا يعرف إلا من جهتهم، كإخبارهم عن ذبائحهم، ونسائهم، وأحكامهم، وأقوال أطبائهم، فتسمع إذا احتيج إلى ذلك لضرورة الحال، وهي أخبار لا شهادات. والله تعالى أعلم.

                                                                                              ويعتذر للجمهور عن رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - الزانيين عند شهادة اليهود : بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفذ عليهم ما علم أنه حكم التوراة، وألزمهم العمل به على نحو ما عملت به بنو إسرائيل إلزاما للحجة عليهم، وإظهارا لتحريفهم وتغييرهم، فكان منفذا لا حاكما، وهذا يمشي على تأويل الشافعي المتقدم. وأما على ما قررناه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حاكما في القضية بحكم الله، فيكون العذر عن سماع شهادة اليهود : أن ذلك كان خاصا بتلك الواقعة; إذ لم تسمع في الصدر الأول شهاداتهم في مثل ذلك. والله تعالى أعلم.

                                                                                              المسألة الرابعة: وهي أن هذا الحديث يدل على أن الإسلام ليس شرطا في الإحصان ؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - رجم اليهوديين، ولو كان شرطا لما رجمهما، وبهذا قال الزهري ، وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد .

                                                                                              وقالت طائفة أخرى: إنه من شروط الإحصان، وبه قال مالك ، والشافعي - في أحد قوليه - متمسكين بأن الشرع إنما حكم برجم الحر، المسلم، الثيب، إذا زنى; لعلو منصبه، وشرفيته بالحرية والإسلام; بدليل: أن العبد لا يرجم، وينصف عليه الحد لخسة قدره، والكافر أخس من العبد المسلم، فكان أولى بألا يرجم، ولأن من شرط [ ص: 114 ] الإحصان صحة النكاح، وأنكحة الكفار فاسدة، فلا يصح فيهم الإحصان لعدم شرطه، واستيفاء مباحثها في الخلاف.

                                                                                              ويعتذر لمالك ولمن قال بقوله بما تقدم، وبما رواه عيسى عن ابن القاسم أنه قال: إن اليهوديين المرجومين لم يكونا أهل ذمة ، وإنما كانا أهل حرب، كما رواه الطبري وغيره: أن الزانيين كانا من أهل فدك وخيبر ، وكانوا حربا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -واسم المرأة الزانية: بسرة ، وكانوا بعثوا إلى يهود المدينة ليسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لهم: سلوا محمدا عن هذا، فإن أفتاكم بغير الرجم فخذوا به، وإن أفتى بالرجم فاحذروا.

                                                                                              قلت: وهذا الاعتذار يحتاج إلى أن يعتذر عنه، وسبب ذلك بعد تسليم صحة الحديث: أن مجيئهم سائلين يوجب عهدا لهم، كما إذا جاؤونا، ودخلوا بلادنا لغرض مقصود: من تجارة، أو رسالة، أو ما أشبه ذلك؛ فإن ذلك يوجب لهم أمانا، فإما أن يقضى غرضهم، أو يردوا إلى مأمنهم، ولا يحل قتلهم، ولا أخذ مالهم، قاله القاضي أبو بكر بن العربي .

                                                                                              المسألة الخامسة: قد يحتج بهذا الحديث من يرى على الإمام إقامة الحد على زناة أهل الذمة وإن لم يتحاكموا إلينا، وهو قول أبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي . وقد روي عن ابن عباس . وقال مالك : لا يعرض لهم الإمام، ويردهم [ ص: 115 ] إلى أهل دينهم إلا أن يظهر منهم ذلك بين يدي المسلمين; فيمنعوا من ذلك، ولا حجة لمن خالف مالكا في هذا الحديث؛ لما قدمناه من أنهم حكموا النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فحكم بأحد ما خيره الله تعالى فيه على ما تقدم.

                                                                                              الغريب: الحمم: الفحم، واحدته: حممة. والمحمم: المسود. وروى العذري ، والسمرقندي : نسود وجوههما ونحممهما. ورواه السجزي : نجملهما - بنون مضمومة، وجيم - بمعنى: نحملهما على جمل، ويطاف بهم. ورواها الطبري : نحملهما - بنون مفتوحة، وحاء مهملة - من الحمل، وكلتا الروايتين أحسن من رواية العذري ؛ لأن فيها تكرارا؛ فإن قوله: نسودهما هو بمعنى: نحممهما.

                                                                                              وقد تقدم ذكر (التجبية) وقد تقدم أن هذا الفعل إنما كان مما اخترعته اليهود ، وابتدعوه، وجعلوه عوضا عن حكم الرجم؛ ولذلك لم يقل به أحد من أهل الإسلام في الزنى، وإنما عمل به بعض أهل العلم في شاهد الزور، فرأى أن يحمم وجهه، ويجلد، ويحلق رأسه، ويطاف به. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب . وقد روي ذلك عن بعض قضاة البصرة ، ولم يره مالك .

                                                                                              و(قوله: فأتوا بالتوراة ) دليل على جواز المطالبة بإقامة الحجج على الأحكام.

                                                                                              [ ص: 116 ] و(قوله: فلقد رأيته يقيها الحجارة بنفسه ) هذا يدل على أنهما لم يحفر لهما، ولا ربطا، وقد تقدم القول في ذلك، وقد وقع هذا اللفظ في "الموطأ": فرأيت الرجل يحني على المرأة، يقيها الحجارة. رويناه: (يحني) بياء مفتوحة، وبحاء مهملة، من الحنو، وهو الصواب. ورويناه: ((يجني) بالجيم من غير همز، وليست بصواب، وحكى بعض مشايخنا أن صوابها: (يجنأ) بفتح الياء والجيم وهمزة، وحكاها عن أبي عبيد وأظنه: القاسم بن سلام .

                                                                                              والذي رأيته في "الغريبين" لأبي عبيد الهروي : قال: (فجعل الرجل يجنئ عليها) بياء مضمومة وهمزة. قال: أي: يكب عليها. يقال: أجنأ عليه، يجنئ، إجناء: إذا أكب عليه يقيه شيئا. قال: وفي حديث آخر: فلقد رأيته يجانئ عليها يقيها الحجارة بنفسه، هذا نصه. وفي الصحاح: جنأ الرجل على الشيء، وجانأ عليه، وتجانأ عليه: إذا أكب عليه، قال الشاعر:


                                                                                              أغاضر لو شهدت غداة بنتم جنوء العائدات على وسادي

                                                                                              ورجل أجنأ: بين الجناء; أي: أحدب الظهر. والمجنأ - بالضم -: الترس.

                                                                                              [ ص: 117 ] قلت: ويحصل من مجموع حكاية أبي عبيد وصاحب الصحاح: أنه يقال: جنأ - مهموزا ثلاثيا ورباعيا -




                                                                                              الخدمات العلمية