الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون

                                                                                                                                                                                                                                      حتى إذا أتوا على واد النمل "حتى هي التي يبتدأ بها الكلام ومع ذلك هي غاية لما قبلها كالتي في قوله تعالى : حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل ... الآية ، وهي ههنا غاية لما ينبئ عنه قوله تعالى : "فهم يوزعون" من السير ، كأنه قيل : فساروا حتى إذا أتوا إلخ . ووادي النمل : واد بالشام كثير النمل على ما قاله مقاتل رضي الله عنه ، وبالطائف على ما قاله كعب رضي الله عنه ، وقيل : هو واد تسكنه الجن والنمل مراكبهم . وتعدية الفعل إليه بكلمة "على" إما لأن إتيانهم كان من فوق ، وإما لأن المراد بالإتيان عليه قطعه من قولهم : أتى على الشيء إذا أنفده وبلغ آخره ، ولعلهم أرادوا أن ينزلوا عند منتهى الوادي إذ حينئذ يخافهم ما في الأرض لا عند سيرهم في الهواء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : قالت نملة جواب إذا كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت منهم فصاحت صيحة تنبهت بها ما بحضرتها من النمل لمرادها فتبعها في الفرار فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم فأجروا مجراهم حيث جعلت هي قائلة وما عداها من النمل مقولا لهم حيث قيل : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم مع أنه لا يمتنع أن يخلق الله تعالى فيها النطق وفيما عداها العقل والفهم . وقرئ : "نملة يأيها النمل" بضم الميم ، وهو الأصل ، كالرجل وتسكين الميم تخفيف منه كالسبع في السبع . وقرئ بضم النون والميم ، قيل : كانت نملة عرجاء تمشي وهي تتكاوس فنادت بما قالت فسمع سليمان عليه السلام كلامها من ثلاثة أميال ، وقيل : كان اسمها طاخية . وقرئ : "مسكنكم" .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : لا يحطمنكم سليمان وجنوده نهي في الحقيقة للنمل عن التأخر في دخول مساكنهم وإن كان بحسب الظاهر نهيا له عليه الصلاة والسلام ولجنوده عن الحطم كقولهم : لا أرينك ههنا ، فهو استئناف أو بدل من الأمر كقول من قال :


                                                                                                                                                                                                                                      فقلت له ارحل لا تقيمن عندنا

                                                                                                                                                                                                                                      .....

                                                                                                                                                                                                                                      لا جواب له ، فإن النون لا تدخله في السعة ، وقرئ : "لا يحطمنكم" بالنون الخفيفة ، وقرئ : لا يحطمنكم بفتح الحاء وكسرها ، وأصله لا يحتطمنكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : وهم لا يشعرون حال من فاعل يحطمنكم مفيدة لتقييد الحطم بحال عدم شعورهم بمكانهم حتى لو شعروا بذلك لم يحطموا ، وأرادت بذلك الإيذان بأنها عارفة بشئون سليمان وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من عصمتهم عن الظلم والإيذاء . وقيل : هو استئناف ، أي فهم سليمان ما قالته والقوم [ ص: 279 ] لا يشعرون بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية