الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأنهم يقولون ما لا يفعلون من الأفاعيل غير مكترثين بما يستتبعه من اللوم، فكيف يتوهم أن يتبعهم في مسلكهم ذلك ويلحق بهم وينتظم في سلكهم من تنزهت ساحته عن أن يحوم حولها شائبة الاتصاف بشيء من الأمور المذكورة، واتصف بمحاسن الصفات الجليلة، وتخلق بمكارم الأخلاق الجميلة، وحاز جميع الكمالات القدسية، وفاز بجملة الملكات السنية الإنسية، مستقرا على أقوم منهاج، مستمرا على صراط مستقيم، لا يرى له العقل السليم من هاج، ناطقا بكل أمر رشيد، داعيا إلى صراط الله تعالى العزيز الحميد، مؤيدا بمعجزات قاهرة، وآيات ظاهرة، مشحونة بفنون الحكم الباهرة، وصنوف المعارف الباهرة، مستقلة بنظم رائق، وأسلوب فائق، أعجز كل منطيق ماهر، وبكت كل مفلق ساحر.

                                                                                                                                                                                                                                      هذا، وقد قيل في تنزيهه - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن أن يكون من الشعراء : إن أتباع الشعراء الغاوون، وأتباعه عليه الصلاة والسلام ليسوا كذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وتعقب بأنه لا ريب في أن تعليل عدم كونه - صلى الله تعالى عليه وسلم - منهم بكون أتباعه - عليه الصلاة والسلام - غير غاوين مما لا يليق بشأنه العالي، وقيل: ضمير الجمع للغاوين، وتعقب بأن المحدث عنهم الشعراء، وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن الغاوين هم الرواة الذين يحفظون شعر الشعراء ويروونه عنهم مبتهجين به.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي رواية أخرى عنه أنهم الذين يستحسنون أشعارهم - وإن لم يحفظوها - وعن مجاهد وقتادة أنهم الشياطين.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن ابن عباس أيضا أن الآية نزلت في شعراء المشركين: عبد الله بن الزبعرى، وهبيرة بن وهب المخزومي ، ومسافع بن عبد مناف ، وأبو عزة الجمحي ، وأمية بن أبي الصلت ، قالوا: نحن نقول مثل قول محمد ، وكانوا يهجونه، ويجتمع إليهم الأعراب من قومهم يستمعون أشعارهم وأهاجيهم، وهم الغاوون الذين يتبعونهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه أيضا أنه قال: تهاجى رجلان على عهد رسول [ ص: 147 ] الله - صلى الله عليه وسلم - أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه - وهم السفهاء - فأنزل الله تعالى والشعراء الآيات، وفي القلب من صحة الخبر شيء، والظاهر من السياق أنها نزلت للرد على الكفرة الذين قالوا في القرآن ما قالوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عيسى بن عمرو «الشعراء» بالنصب على الاشتغال، وقرأ السلمي والحسن بخلاف عنه «يتبعهم» مخففا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن وعبد الوارث ، عن أبي عمرو (يتبعهم) بالتشديد وتسكين العين تخفيفا، وقد قالوا: (عضد) بسكون الضاد فغيروا الضمة واقعة بعد الفتحة فلأن يغيروها واقعة بعد الكسرة أولى، وروى هارون فتح العين عن بعضهم، واستشكله أبو حيان ، وقيل: إنه للتخفيف أيضا، واختياره على السكون لحصول الغرض به مع أن فيه مراعاة الأصل في الجملة لما بين الحركتين من المشاركة الجنسية، ولا كذلك ما بين الضم والسكون، وهو غريب كما لا يخفى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية