الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 212 ] 315 - باب بيان مشكل فساد من ذهب إلى أن الشاب من كان سنه أربعين سنة إلى ما دونها بعد بلوغه بما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدفع ما قال في ذلك

1957 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا أنس ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك .

1958 - وحدثنا علي بن معبد ، وبكار بن قتيبة جميعا قالا : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد ، عن أنس .

1959 - وحدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر : عن حميد ، عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : دخلت الجنة فإذا بقصر من ذهب ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ . قالوا : لشاب من قريش ، [ ص: 213 ] فظننت أني هو فقلت من هو ؟ فقالوا : عمر بن الخطاب .

1960 - وحدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا أبو شهاب ، عن حميد الطويل ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

1961 - وحدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو نصر التمار ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لفتى من قريش ، فظننت أنه لي ، فقلت : من هو ؟ فقالوا : عمر بن الخطاب فيا أبا حفص ، فلولا ما أعلم من غيرتك لدخلته ، فقال عمر : من كنت أغار عليه يا رسول الله ، فإني لم أكن أغار عليك .

[ ص: 214 ]

1962 - وحدثني الحسن بن عبد الله بن منصور ، قال : حدثنا الهيثم بن جميل ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دخلت الجنة فرأيت قصرا أبيض بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ فقيل لشاب من قريش ، فظننت أني أنا هو فقلت : من هو ؟ فقالوا : عمر بن الخطاب ، فأردت أن أدخله لأنظر إليه ، فذكرت غيرتك يا أبا حفص ، فقال : بأبي وأمي يا رسول الله ، أوعليك أغار ؟

ففيما روينا ما قد دل على فساد قول من ذهب إلى ما ذكرناه في ترجمة هذا الباب ، ثم نظرنا بعد إلى حقيقة ما دون الشاب وإلى الشاب وإلى ما فوقهما فوجدنا الله عز وجل قد قال في كتابه : هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ، فأخبر عز وجل أنه يخرجهم طفلا ثم وجدناه عز وجل قد بين نهاية الطفولية في آية أخرى ، وهي قوله عز وجل : [ ص: 215 ] وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم . فعقلنا بذلك أن ما دون بلوغ الحلم حال طفولية ، وأن ما بعد الحلم ضد لها ، ولا شيء نعلمه يكون ثالثا للطفولية غير الشباب ، فعقلنا بذلك أن من احتلم شاب ثم يكون كذلك إلى ما شاء الله أن يكون ، وطلبنا المدة التي يكون فيها كذلك ، ثم يخرج منها إلى ضدها ، فوجدنا الله قد قال في الآية التي بدأنا بتلاوتها في هذا الباب : ثم لتبلغوا أشدكم ، ولم يبين لنا عز وجل فيها ما بلوغ الأشد ، ثم وجدناه عز وجل قد بين ذلك لنا في آية أخرى بقوله : حتى إذا بلغ أشده ، واحتجنا أن نعلم هل خرج بذلك من الشباب إلى غيره أم لا ؟ فوجدناه عز وجل قد بين لنا ذلك في آية أخرى بقوله : حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ، فعقلنا بذلك أن من بلغ الأربعين سنة فقد بلغ أشده ، واحتجنا أن نعلم هل خرج بذلك من الشباب إلى غيره أم لا ؟ فوجدنا الله عز وجل قد قال في التي بدأنا بتلاوتها بعقب قوله فيها : ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ، فاحتمل أن يكون ما بعد الأربعين خروجا من الشباب ودخولا في الشيخوخة ، فوجدنا الله عز وجل قد قال فيها :هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة فكان بين الخلق من التراب وبين الخلق من النطفة ، فاصل ؛ لأن المخلوق من التراب هو آدم صلى الله عليه وسلم ، والمخلوقين من النطفة هم بنوه وبين الخلقين من الزمان ما شاء الله أن يكون فكان مثل ذلك قوله عز [ ص: 216 ] وجل : ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ، يحتمل أن يكون بين بلوغهم الأشد ، وبين أن يكونوا شيوخا مدة الله أعلم بمقدارها ، وهي مدة شباب ، فيكون السن الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يوم رأى تلك الرؤيا هي فوق الأربعين ، ودون الحال التي يكونون فيها شيوخا ، والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك ، والله تعالى نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية