الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت القصة لإظهار فضل العلم المستلزم للحكمة ، دلالة على أنه تعالى حكيم عليم ، ترغيبا في القرآن ، وحثا على ما أفاده من البيان ، قال حاكيا لذلك استئنافا جوابا لاستشرافه صلى الله عليه وسلم لأقرب من ذلك : قال الذي عنده .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان لكتب الله من العظمة ما لا يحيطه إلا الله ، أشار إلى ذلك بتنكير ما لهذا الذي يفعل مثل هذا الخارق العظيم من ذلك فقال : علم [تنبيها على أنه اقتدر على ذلك بقوة العلم ليفيد ذلك تعظيم العلم والحث على تعلمه ، وبين أن هذا الفضل إنما هو للعلم الشرعي فقال] : من الكتاب أي : الذي [لا كتاب في الحقيقة غيره ، وهو المنسوب إلينا ، وكأنه الذي] كان شهيرا في ذلك الزمان ، ولعله التوراة والزبور ، إشارة إلى أن من خدم كتابا حق الخدمة [ ص: 165 ] كان الله - تعالى كما ورد في شرعنا - سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، أي : إنه يفعل له ما يشاء ، وقيل في تعيينه إنه آصف بن برخيا وكان صديقا عالما : أنا آتيك به وهذا أظهر في كونه اسم فاعل لأن الفعل قارن الكلام; وبين فضله على العفريت بقوله : قبل أن يرتد [أي : يرجع] إليك طرفك أي : بصرك إذا طرفت بأجفانك فأرسلته إلى منتهاه ثم رددته; قال القزاز : طرف العين : امتداد بصرها حيث أدرك ، ولذلك يقولون : لا أفعل ذلك ما ارتد إلي طرفي ، أي : ما دمت أبصر ، ويقال : طرف الرجل يطرف إذا حرك جفونه ، وقيل : الطرف اسم لجامع البصر لا يثنى ولا يجمع ، وبين تصديق فعله لقوله أنه استولى عليه قبل أن يتحكم منه العفريت فبادر الطرف إحضاره كما أشار إليه قوله تعالى : فلما رآه أي : العرش.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت الرؤية قد تكون عن بعد ومجازية ، وكذلك العندية ، بين أنها حقيقية بإظهار العامل في الظرف ومن حقه في غير هذا السياق الحذف فقال : مستقرا عنده أي : ثابتا ثباتا لا مرية فيه ، ما هو بسحر ولا منام ولا مثال; قال الإمام جمال الدين بن هشام في الباب [ ص: 166 ] الثالث من كتابه المغني : زعم ابن عطية أن "مستقرا" هو المتعلق الذي يقدر في أمثاله قد ظهر ، والصواب ما قاله أبو البقاء وغيره من أن هذا الاستقرار معناه عدم التحرك لا مطلق الوجود والحصول ، فهو كون خاص. قال أي : سليمان عليه السلام شكرا لما آتاه الله من هذه الخوارق : هذا أي : الإتيان المحقق من فضل ربي أي : المحسن إلي ، لا بعمل أستحق به شيئا ، فإنه أحسن إلي بإخراجي من العدم وتطويقي للعمل ، فكل عمل نعمة منه يستوجب علي به الشكر ، ولذلك قال : ليبلوني أي : يفعل معي فعل المبتلي الناظر أأشكر فأعترف بكونه فضلا أم أكفر بظن أني أوتيته باستحقاق ، ثم زاد في حث نفسه على الشكر بقوله : ومن شكر أي : أوقع الشكر لربه فإنما يشكر لنفسه فإن نفعه لها ، وأما الله تعالى فهو أعلى من أن يكون له في شيء نفع أو عليه فيه ضر ومن كفر فإن ربي أي : المحسن إلي بتوفيقي لما أنا فيه من الشكر غني أي : عن شكر ، لا يضره تركه شيئا كريم يفعل معه بإدرار النعم عليه فعل من أظهر محاسنه وستر مساوئه ، [ثم هو جدير بأن يقطع إحسانه إن استمر على إجرامه كما [ ص: 167 ] يفعل الغني بمن أصر على كفر إحسانه فإذا هو قد هلك].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية