الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون

                                                                                                                                                                                                                                      ثم رد الهدية وذلك قوله تعالى : فلما جاء سليمان أي : الرسول قال أي : مخاطبا للرسول والمرسل تغليبا للحاضر على الغائب ، وقيل : للرسول ومن معه ويؤيده أنه قرئ : "فلما جاءوا" ، والأول أولى لما فيه من تشديد الإنكار والتوبيخ وتعميمهما لبلقيس وقومها ويؤيده الإفراد في قوله تعالى : ارجع إليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      أتمدونن بمال وهو إنكار لإمدادهم إياه عليه الصلاة والسلام بالمال مع علو شأنه وسعة سلطانه وتوبيخ لهم بذلك ، وتنكير "مال" للتحقير . وقوله تعالى : فما آتاني الله أي : مما رأيتم آثاره من النبوة والملك الذي لا غاية وراءه خير مما آتاكم أي : من المال الذي من جملته ما جئتم به فلا حاجة لي إلى هديتكم ولا وقع لها عندي تعليل للإنكار ، ولعله عليه الصلاة والسلام إنما قال لهم هذه المقالة إلى آخرها بعد ما جرى بينه وبينهم ما حكي من قصة الحق وغيرها ، كما أشير إليه لا أنه عليه الصلاة والسلام خاطبهم بها أول ما جاءوه كما يفهم من ظاهر قوله تعالى : "فلما جاء ..." إلخ . وقرئ : "أتمدوني" بالإدغام ، وبنون واحدة ، وبنونين ، وحذف الياء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : بل أنتم بهديتكم تفرحون إضراب عما ذكر من إنكار الإمداد بالمال إلى التوبيخ بفرحهم بهديتهم التي أهدوها إليه عليه الصلاة والسلام فرح افتخار وامتنان واعتداد بها كما ينبئ عنه ما ذكر من حديث الحق والجزعة وتغيير زي الغلمان والجواري وغير ذلك ، وفائدة الإضراب التنبيه على أن إمداده عليه الصلاة والسلام بالمال منكر قبيح وعد ذلك مع أنه لا قدر له عنده عليه الصلاة والسلام مما يتنافس فيه المتنافسون أقبح ، والتوبيخ به أدخل . وقيل : المضاف إليه المهدى إليه ، والمعنى : بل أنتم بما يهدى إليكم تفرحون حبا لزيادة المال لما أنكم لا تعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية