الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما تم ذلك ، كان كأنه قيل : هل كان بعد ذلك اختبار؟ فقيل : نعم! قيل لها [أي : ] من قائل من جنود سليمان عليه السلام ، فلم تمكنها المخالفة لما هناك من الهيبة بالملك والنبوة والدين : ادخلي الصرح [وهو قصر] بناه قبل قدومها ، وجلس في صدره ، وجعل صحنه من الزجاج الأبيض الصافي ، وأجرى تحته الماء ، وجعل فيه دواب البحر ، وأصله كما قال في الجمع بين العباب والمحكم : بيت واحد يبنى منفردا [ ص: 171 ] ضخما طويلا في السماء ، قال : وقيل : كل بناء متسع مرتفع ، وقيل : هو القصر ، وقيل : كل بناء عال مرتفع ، والصرح : الأرض المملسة ، وصرحة الدار ساحتها ، ودل على مبادرتها لامتثال الأمر [وسرعة دخولها] بالفاء فقال : فلما رأته وعبر بما هو من الحسبان دلالة على أن عقلها وإن كان في غاية الرجاحة ناقص لعبادتها لغير الله فقال : حسبته أي : لشدة صفاء الزجاج واتصال الماء بسطحه الأسفل لجة أي : غمرة عظيمة من ماء ، فعزمت على خوضها إظهارا لتمام الاستسلام وكشفت عن ساقيها أي : لئلا تبتل ثيابها فتحتاج إلى تغييرها قبل الوصول إلى سليمان عليه السلام ، فرآها أحسن الناس ساقا وقدما غير أنها شعراء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما حصل مراده ، استؤنف الإخبار عن أمره بعده فقيل : قال مبينا لعظم عقله وعلمه ، وحكمته وقدرته ، مؤكدا لأنه لشدة اشتباهه بجودة المادة وتناهي حسن الصنعة وإحكامها لا يكاد يصدق أنه حائل دون الماء : إنه أي : هذا الذي ظننته ماء صرح أي : قصر ممرد أي : مملس ، وأصل المرودة : الملاسة والاستواء [ ص: 172 ] من أي : كائن من قوارير أي : زجاج ليتصف بشفوفة الماء فيظن أنه لا حائل دونه ، فلما رأت ما فضله الله به من العلم ، المؤيد بالحكمة ، المكمل بالوقار والسكينة ، المتمم بالخوارق ، بادرت إلى طاعته علما بأنه رسول الله ، فاستأنف تعالى الإخبار عن ذلك بقوله : قالت مقبلة على من آتاه ، للاستمطار من فضله ، والاستجداء من عظيم وبله : رب أي : أيها المحسن إلي إني ظلمت نفسي أي : بما كنت فيه من العمى بعبادة غيرك عن عبادتك وأسلمت أي : ليظهر علي ثمرات الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكرت هذا الأساس الذي لا يصح بناء طاعة إلا عليه ، أتبعته الداعي الذي لا تتم ثمرات الأعمال المؤسسة عليه إلا بحبه ، والإذعان له ، والانقياد والاعتراف بالفضل ، وبهدايته إلى ما يصلح منها وما لا يصلح على الوجوه التي لا تقوم إلا بها من الكميات والكيفيات. فقالت : مع سليمان

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكرت صفة الربوبية الموجبة للعبادة بالإحسان ، ذكرت الاسم الأعظم الدال على ذات المستجمع للصفات الموجبة للإلهية [للذات] [ ص: 173 ] فقالت : لله أي : مقرة له بالألوهية والربوبية على سبيل الوحدانية ، ثم رجعت [إشارة] إلى العجز عن معرفة الذات حق المعرفة إلى الأفعال التي هي بحر المعرفة فقالت : رب العالمين فعمت بعد أن خصت إشارة إلى الترقي من حضيض دركات العمى إلى أوج درجات الهدى ، فلله درها ما أعلمها! وأطيب أعراقها وأكرمها! ويقال : إن سليمان عليه السلام تزوجها واصطنع الحمام - وهو أول من اتخذه - وأذهب شعرها بالنورة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية