الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم

                                                                                                                                                                                                                                      قال الذي عنده علم من الكتاب فصل عما قبله للإيذان بما بين القائلين ومقاليهما [ ص: 287 ] وكيفيتي قدرتهما على الإتيان به من كمال التباين ، أو لإسقاط الأول عن درجة الاعتبار . قيل : هو آصف بن بزخيا وزير سليمان عليه السلام ، وقيل : رجل كان عنده اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أجاب ، وقيل : الخضر ، أو جبريل ، أو ملك أيده الله عز وجل به عليهم السلام ، وقيل : هو سليمان نفسه عليه السلام ، وفيه بعد لا يخفى . والمراد بالكتاب : الجنس المنتظم لجميع الكتب المنزلة ، أو اللوح . وتنكير "علم" للتفخيم والرمز إلى أنه علم غير معهود ، و"من" ابتدائية .

                                                                                                                                                                                                                                      أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك الطرف : تحريك الأجفان ، وفتحها للنظر إلى شيء ، وارتداده انضمامها ، ولكونه أمرا طبيعيا غير منوط بالقصد أوثر الارتداد على الرد ، ولما لم يكن بين هذا الوعد وإنجازه مدة ما كما في وعد العفريت استغنى عن التأكيد وطوي عند الحكاية ذكر الإتيان به للإيذان بأنه أمر متحقق غني عن الإخبار به ، وجيء بالفاء الفصيحة لا داخلة على جملة معطوفة على جملة مقدرة دالة على تحققه فقط كما في قوله عز وجل : " فقلنا اضرب بعصاك البحر فانفلق " ونظائره ، بل داخلة على الشرطية حيث قيل : فلما رآه مستقرا عنده أي : رأى العرش حاضرا لديه كما في قوله عز وجل : فلما رأينه أكبرنه ... للدلالة على كمال ظهور ما ذكر من تحققه واستغنائه عن الإخبار به ببيان ظهور ما يترتب عليه من رؤية سليمان عليه السلام إياه واستغنائه أيضا عن التصريح به ; إذ التقدير : فأتاه به فرآه فلما رآه ... إلخ ، فحذف ما حذف لما ذكر و للإيذان بكمال سرعة الإتيان به كأنه لم يقع بين الوعد به وبين رؤيته عليه الصلاة والسلام إياه شيء ما أصلا ، وفي تقييد رؤيته باستقراره عنده عليه الصلاة والسلام تأكيد لهذا المعنى لإيهامه أنه لم يتوسط بينهما ابتداء الإتيان أيضا كأنه لم يزل موجودا عنده مع ما فيه من الدلالة على دوام قراره عنده منتظما في سلك ملكه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أي : سليمان عليه السلام تلقيا للنعمة بالشكر جريا على سنن أبناء جنسه من أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام وخلص عباده . هذا أي : حضور العرش بين يديه في هذه المدة القصيرة ، أو التمكن من إحضاره بالواسطة أو بالذات كما قيل من فضل ربي أي : تفضله علي من غير استحقاق له من قبلي .

                                                                                                                                                                                                                                      ليبلوني أأشكر بأن أراه محض فضله تعالى من غير حول من جهتي ولا قوة وأقوم بحقه أم أكفر بأن أجد لنفسي مدخلا في البين ، أو أقصر في إقامة مواجبه كما هو شأن سائر النعم الفائضة على العباد .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن شكر فإنما يشكر لنفسه لأنه يرتبط به عتيدها ويستجلب به مزيدها ويحط به عن ذمته عبء الواجب ويتخلص عن وصمة الكفران . ومن كفر أي : لم يشكر فإن ربي غني عن شكره كريم بترك تعجيل العقوبة والإنعام مع عدم الشكر أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية