الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ، في هذه الآية الكريمة إجمال ; لأن المشار إليه بقوله هذا ، مفسر الضمير في قوله : فخذوه ، وقوله : لم تؤتوه ، لم يصرح به في الآية ولكن الله أشار له هنا ، وذكره في موضع آخر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 404 ] اعلم أولا أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية الذين زنيا بعد الإحصان ، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة ، فتعمدوا تحريف كتاب الله ، واصطلحوا فيما بينهم على أن الزاني المحصن الذي يعلمون أن حده في كتاب الله ، التوراة : الرجم ، أنهم يجلدونه ويفضحونه بتسويد الوجه ، والإركاب على حمار ، فلما زنى المذكوران قالوا فيما بينهم تعالوا نتحاكم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - في شأن حدهما ، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ذلك واجعلوه حجة بينكم وبين الله تعالى ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم فيهما بذلك ، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد بقوله : هذا ، وقوله : فخذوه ، وقوله : وإن لم تؤتوه ، هو الحكم المحرف الذي هو الجلد والتحميم كما بينا ، وأشار إلى ذلك هنا بقوله : يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا يعني المحرف والمبدل الذي هو الجلد والتحميم فخذوه ، وإن لم تؤتوه بأن حكم بالحق الذي هو الرجم فاحذروا أن تقبلوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر تعالى هذا أيضا في قوله : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله [ 3 \ 23 ] ، يعني التوراة ليحكم بينهم ، يعني في شأن الزانيين المذكورين ، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ، أي عما في التوراة من حكم رجم الزاني المحصن ، وقوله هنا : ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ، هو معنى قوله عنهم : وإن لم تؤتوه فاحذروا ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية