الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
31 - باب ذكر ما أخبر الله تعالى أنه يختم على قلوب من أراد من عباده ، فلا يهتدون إلى الحق ، ولا يسمعونه ولا يبصرونه ، لأنه مقتهم ، فطبع على قلوبهم

قال الله تعالى في البقرة : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ) .

وقال تعالى في سورة النساء ( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) .

وقال تعالى في سورة المائدة : ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) .

[ ص: 704 ] وقال تعالى في سورة الأنعام : ( ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) الآية .

وقال تعالى في هذه السورة : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) .

وقال تعالى في سورة التوبة : ( إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ) .

وقال تعالى في سورة النحل ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح ) . . . إلى قوله : ( الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ) .

وقال تعالى في سورة بني إسرائيل : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك [ ص: 705 ] وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا * وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ) . . . الآية .

وقال تعالى في سورة الكهف : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ) .

وقال تعالى في سورة الشعراء : ( ولو نزلناه على بعض الأعجمين * فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين * كذلك سلكناه في قلوب المجرمين * لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم ) .

وقال تعالى في سورة يس : ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون * إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) .

وقال تعالى في سورة الجاثية : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) .

[ ص: 706 ] وقال تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم : ( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) .

وقال تعالى في سورة المنافقين : ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) .

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

جميع ما تلوته من هذه الآيات يدل العقلاء على أن الله تعالى ختم على قلوب قوم ، وطبع عليها ، ولم يردها لعبادته ، وأرادها لمعصيته ، فأعماها عن الحق فلم تبصره ، وأصمها عن الحق فلم تسمعه ، وأخزاها ولم يطهرها ، يفعل بخلقه ما يريد لا يجوز لقائل أن يقول : لم فعل بهم ذلك ؟ فمن قال ذلك : فقد عارض الله في فعله ، وضل عن طريق الحق .

ثم اختص الله من عباده من أحب ، فشرح قلوبهم للإيمان وزينه في قلوبهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، أولئك هم الراشدون ، فضلا من الله ونعمة ، والله عليم حكيم .

قال محمد بن الحسين :

[ ص: 707 ] اعقلوا يا [ مسلمون ] ما يخاطبكم الله به ، يعلمكم أني مالك للعباد ، أختص منهم من أريد ، فأطهر قلبه ، وأشرح صدره ، وأزين له طاعتي ، وأكره إليه معصيتي ، لا ليد تقدمت منه إلي ، أنا الغني عن عبادي ، وهم الفقراء إلي ، ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) .

والمنة لله تعالى على من هدي للإيمان .

ألم تسمعوا - رحمكم الله - إلى قول مولاكم الكريم حين امتن قوم بإسلامهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) .

[ ص: 708 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية