الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الأحبار والرهبان استحفظوا كتاب الله يعني استودعوه ، وطلب منهم حفظه ، ولم يبين هنا هل امتثلوا الأمر في ذلك وحفظوه ، أو لم يمتثلوا الأمر في ذلك وضيعوه ؟ ولكنه بين في مواضع أخر أنهم لم يمتثلوا الأمر ، ولم يحفظوا ما استحفظوه ، بل حرفوه وبدلوه عمدا كقوله : يحرفون الكلم عن مواضعه . الآية [ 4 \ 46 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يحرفون الكلم من بعد مواضعه ، وقوله : تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا [ 6 \ 91 ] ، وقوله : فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله الآية [ 2 \ 79 ] ، وقوله جل وعلا : وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب الآية [ 3 \ 78 ] ، [ ص: 405 ] إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه

                                                                                                                                                                                                                                      إن قيل ما الفرق بين التوراة والقرآن ؟ فإن كلا منهما كلام الله أنزله على رسول من رسله - صلوات الله وسلامه عليهم - والتوراة حرفت ، وبدلت كما بيناه آنفا ، والقرآن محفوظ من التحريف والتبديل ، لو حرف منه أحد حرفا واحدا فأبدله بغيره ، أو زاد فيه حرفا أو نقص فيه آخر لرد عليه آلاف الأطفال من صغار المسلمين فضلا عن كبارهم .

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب أن الله استحفظهم التوراة ، واستودعهم إياها ، فخانوا الأمانة ولم يحفظوها ، بل ضيعوها عمدا ، والقرآن العظيم لم يكل الله حفظه إلى أحد حتى يمكنه تضييعه ، بل تولى حفظه جل وعلا بنفسه الكريمة المقدسة ، كما أوضحه بقوله : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ 15 \ 9 ] ، وقوله : لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الآية [ 41 \ 42 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، و " الباء " في قوله : بما استحفظوا [ 5 \ 44 ] ، متعلقة بالرهبان والأحبار ; لأنهم إنما صاروا في تلك المرتبة بسبب ما استحفظوا من كتاب الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : متعلقة بيحكم . والمعنى متقارب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية