الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان مع هذا البيان من الأمر الواضح أن التقدير زيادة في توبيخ المشركين وتقرير المنكرين : من فعل هذه الأفعال البالغة في الحكمة المتناهية في العلم أم من سميتموه إلها ، ولا أثر له أصلا ، عاد له بقوله : أمن وكان الأصل : أم هو ، ولكنه عبر باسم موصول أصل وضعه لذي العلم ، ووصله بما لا يصح أن يكون لغيره ليكون كالدعوى المقرونة بالدليل فقال : خلق السماوات والأرض تنبيها بالقدرة على بدء الخلق على القدرة على إعادته ، بل من باب الأولى ، دلالة على الإيمان بالآخرة تخلقا بأخلاق المؤمنين الذين مضى أول السورة أن هذا القرآن المبين بشرى لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الإنبات من أدل الآيات ، على إحياء الأموات ، قال : وأنـزل وزاد في تقريعهم وتبكيتهم وتوبيخهم بقوله : لكم أي : لأجلكم خاصة وأنتم تكفرون به وتنسبون ما تفرد به من ذلك لغيره : من السماء ماء هو للأرض كالماء الدافق للأرحام كالماء الذي ينزل آخر الدهور على القبور. [ ص: 187 ] في وجوده وقدرته واختياره لفعل المتباينات في الطعم واللون والريح والطبع والشكل بماء واحد في أرض واحدة واختصاصه بفعل ذلك من غير مشاركة شيء له شيء منه أصلا ، وهو آيته العظمى على أمر البعث ، عدل إلى التكلم [و] على وجه العظمة فقال : فأنبتنا أي : بما لنا من العظمة به حدائق أي : بساتين محدقة - أي : محيطة - بها أشجارها وجدرانها ، والظاهر أن المراد كل ما كان هكذا ، فإنه في قوة أن يدار عليه الجدار وإن لم يكن له جدار ، وعن الفراء أن البستان إن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الأولى بجمع الكثرة لما لا يعقل الوصف بالمفرد قال مفيدا أنها كالشيء الواحد في ذلك الوصف :ذات بهجة أي : بهاء وحسن ورونق ، وبشر بها وسرور على تقارب أصولها مع اختلاف أنواعها ، وتباين طعومها وأشكالها ، ومقاديرها وألوانها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أثبت الإنبات له ، نفاه عن غيره على وجه التأكيد تنبيها على تأكد اختصاصه بفعله ، وعلى أنه إن أسند إلى غيره فهو مجاز عن التسبب وأن الحقيقة ليست إلا له فقال : ما كان أي : ما صح وما تصور بوجه من الوجوه لكم وأنتم أحياء فضلا عن شركائكم الذين هم أموات بل موات أن تنبتوا شجرها أي : شجر [ ص: 188 ] تلك الحدائق.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ثبت أنه المتفرد بالألوهية ، حسن موقع الإنكار والتقرير في قوله : أإله أي كائن مع الله أي : الملك الأعلى الذي لا مثل له.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الجواب عند كل عاقل : لا وعزته! قال معرضا عنهم للإيذان بالغضب : بل هم أي : في دعائهم معه سبحانه شريكا قوم يعدلون أي : عن الحق الذي لا مرية فيه إلى غيره ، مع العلم بالحق ، فيعدلون بالله غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية