الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما دلهم بآيات الآفاق ، وكانت كلها من أحوال السراء ، وكانت بمعرض الغفلة عن الإله ، ذكرهم بما في أنفسهم مما يوجبه تغير الأحوال الدالة بمجردها على الإله ، ويقتضي لكل عاقل [صدق] التوجه إليه ، [ ص: 191 ] وإخلاص النية لديه ، والإقبال عليه ، على ذلك ركزت الطباع ، وانعقد الإجماع ، فلم يقع فيه نزاع ، فقال :أمن يجيب المضطر أي : جنس الملجأ إلى ما لا قبل له به ، الصادق على القليل والكثير إذا أراد إجابته كما تشاهدون ، وعبر فيه وفيما بعده بالمضارع لأنه مما يتجدد ، بخلاف ما مضى من خلق السماوات وما بعده إذا دعاه أي : حين ينسيكم الضر شركاءكم ، ويلجئكم إلى من خلقكم ويذهل المعطل عن مذهبه ويغفله عن سوء أدبه عظيم إقباله على قضاء أربه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت الإجابة ذات شقين ، جلب السرور ، ودفع الشرور ، وكان النظر إلى الثاني أشد ، خصه بادئا به فقال : ويكشف السوء ثم أتبعه الأول على وجه أعم ، فقال مشيرا إلى عظيم المنة عليهم بجعلهم مسلطين عالين على جميع من في الأرض وما في الأرض مشرفين بخلافته سبحانه ، ولذلك أقبل عليهم ، ويجعلكم خلفاء الأرض أي : فيما يخلف بعضكم بعضا ، لا يزال يجدد ذلك بإهلاك قرن وإنشاء آخر إلى قيام الساعة ، ولما كان هذا أبين ، كرر الإنكار فيه مبكتا لهم بالنسيان فقال : أإله أي : كائن أو موجود مع الله أي : الملك الأعظم الذي لا كفؤ له.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 192 ] ثم استأنف التبكيت تفظيعا له ومواجها به في قراءة الجماعة لما يؤذن به كشف هذه الأزمات من القرب المقتضي للخطاب ، ولذلك أكد بزيادة "ما" فقال : قليلا ما تذكرون أي : بأن من أنجاكم من ذلك وحده حين أخلصتم له التوجه عند اشتداد الأمر هو المالك لجميع أموركم في الرخاء كما كان مالكا له في الشدة ، وأن الأصنام لا تملك شيئا بشفاعة ولا غيرها كما لم تملك شيئا في اعتقادكم عند الأزمات ، واشتداد الكربات ، في الأمور المهمات ، فإن هذا قياس ظاهر ، ودليل باهر ، ولكن من طبع الإنسان نسيان ما كان فيه من الضير ، عند مجيء الخير ، ومن قرأ بالتحتانية وهم أبو عمرو وهشام وروح ، فللإيذان بالغضب الأليق بالكفران ، مع عظيم الإحسان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية