الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما رتب سبحانه هذه الأدلة على هذا الوجه ترقيا من أعم إلى أخص ، ومن أرض إلى سماء ، ختمها بما يعمها وغيرها ، إرشادا إلى قياس ما غاب منها على ما شوهد ، فلزم من ذلك قطعا القدرة على الإعادة ، فساقها لذلك سياق المشاهد المسلم ، وعد من أنكره في عداد من لا يلتفت إليه [فقال : ] أمن يبدأ الخلق أي كله : ما علمتم منه وما لم تعلموا ، ثم بيده لأن كل شيء هالك إلا وجهه ، له هذا الوصف باعترافكم يتجدد أبدا تعلقه. ولما كان من اللازم البين لهم الإقرار بالإعادة لاعترافهم بأن كل من أبدى شيئا قادر على إعادته ، لأن الإعادة أهون ، قال : ثم يعيده أي : بعد ما يبيده.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الإمطار والإنبات من أدل ما يكون على الإعادة ، قال [ ص: 200 ] مشيرا إليهما على وجه عم جميع ما مضى : ومن يرزقكم من السماء أي : بالمطر والحر والبرد وغيرهما مما له سبب في التكوين أو التلوين والأرض أي : بالنبات والمعادن والحيوان وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله ، وعبر عنهما بالرزق لأن به تمام النعمة أإله مع الله أي : الذي له صفات الجلال والإكرام ، كائن ، أو يفعل شيئا من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت هذه كلها براهين ساطعة ، ودلائل قاطعة ، وأنوارا لامعة ، وحججا باهرة ، وبينات ظاهرة ، وسلاطين قاهرة ، على التوحيد المستلزم للقدرة على البعث وغيره من كل ممكن ، أمره صلى الله عليه وسلم إعراضا عنهم ، إيذانا بالغضب في آخرها [بأمرهم] بالإتيان ببرهان واحد على صحة معتقدهم فقال : قل أي : هؤلاء المدعين للعقول هاتوا برهانكم أي : على نفي شيء من ذلك عن الله تعالى ، أو على إثبات شيء منه لغيره ، لتثبت دعوى الشركة في الخلق فتسمع دعوى الشركة في الألوهية ، وليكن إتيانكم بذلك ناجزا من غير مهلة ، لأن من يدعي العقل لا يقدر على شيء إلا ببرهان حاضر إن كنتم صادقين أي : في أنكم على حق في أن مع الله غيره ، وأضاف البرهان إليهم إضافة ما كأنه عنيد ، لا كلام في وجوده وتحققه ، وإنما المراد الإتيان به كل ذلك تهكما بهم وتنبيها على أنهم أبعدوا في الضلال ، وأعرقوا في [ ص: 201 ] المحال ، حيث رضوا لأنفسهم بتدين لا يصير إليه عاقل إلا بعد تحقق القطع بصحته ، ولا شبهة في أنه لا شبهة لهم على شيء منه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية