الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما الشرائط فأنواع : بعضها يرجع إلى السارق ، وبعضها يرجع إلى المسروق ، وبعضها يرجع إلى المسروق منه [ ص: 67 ] وبعضها يرجع إلى المسروق فيه ، وهو المكان أما ما يرجع إلى السارق : فأهلية وجوب القطع وهي : العقل ، والبلوغ فلا يقطع الصبي ، والمجنون ; لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال { : رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ } أخبر عليه الصلاة والسلام أن القلم مرفوع عنهما .

                                                                                                                                وفي إيجاب القطع إجراء القلم عليهما ، وهذا خلاف النص ; ولأن القطع عقوبة فيستدعي جناية ، وفعلهما لا يوصف بالجنايات ; ولهذا لم يجب عليهما سائر الحدود كذا هذا ، ويضمنان السرقة ; لأن الجناية ليست بشرط لوجوب ضمان المال ، وإن كان السارق يجن مدة ، ويفيق أخرى فإن سرق في حال جنونه لم يقطع ، وإن سرق في حال الإفاقة ; يقطع ولو سرق جماعة فيهم صبي ، أو مجنون يدرأ عنهم القطع في قول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رحمه الله - : " إن كان الصبي ، والمجنون هو الذي تولى إخراج المتاع درئ عنهم جميعا ، وإن كان وليه غيرهما ; قطعوا جميعا إلا الصبي والمجنون " .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله : أن الإخراج من الحرز هو الأصل في السرقة ، والإعانة كالتابع فإذا وليه الصبي ، أو المجنون ; فقد أتى بالأصل ، فإذا لم يجب القطع بالأصل كيف يجب بالتابع ؟ فإذا وليه بالغ عاقل ; فقد حصل الأصل منه ، فسقوطه عن التبع لا يوجب سقوطه عن الأصل .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - أن السرقة واحدة ، وقد حصلت ممن يجب عليه القطع ، وممن لا يجب عليه القطع فلا يجب القطع على أحد كالعامد مع الخاطئ إذا اشتركا في القطع ، أو في القتل ، وقوله الإخراج أصل في السرقة مسلم ، لكنه حصل من الكل معنى ; لاتحاد الكل في معنى التعاون على ما بينا فيما تقدم ، فكان إخراج غير الصبي ، والمجنون كإخراج الصبي والمجنون ضرورة الاتحاد .

                                                                                                                                على هذا الخلاف إذا كان فيهم ذو رحم محرم ; لأنه المسروق منه أنه لا قطع على أحد عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف " يدرأ عن ذي الرحم المحرم ، ويجب على الأجنبي " ، ولا خلاف في أنه إذا كان فيهم شريك المسروق منه أنه لا قطع على أحد ، فأما الذكورة فليست بشرط لثبوت الأهلية فتقطع الأنثى ; لقوله تعالى عز شأنه { : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ، وكذلك الحرية فيقطع العبد ، والأمة ، والمدبر ، والمكاتب ، وأم الولد ; لعموم الآية الشريفة ، ويستوي الآبق وغيره ; لما قلنا ، وذكر في الموطأ أن عبدا لعبد الله ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما سرق - وهو آبق - فبعث به عبد الله إلى سعيد بن العاص رضي الله عنه ليقطع يده فأبى سعيد أن يقطع يده وقال : " لا نقطع يد الآبق إذا سرق " فقال عبد الله : في أيما كتاب الله عز شأنه وجدت هذا : أن العبد الآبق إذا سرق لا تقطع يده ، فأمر به عبد الله رضي الله عنه فقطعت يده ; ولأن الذكورة ، والحرية ليست من شرائط سائر الحدود ، فكذا هذا الحد ، وكذا الإسلام ليس بشرط فيقطع المسلم ، والكافر لعموم آية السرقة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية