الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 223 ] 318 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول صلى الله عليه وسلم من قوله : ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل آمن بنبيه ثم أدركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فآمن به ، وعبد أدى حق الله وحق مولاه ورجل أدب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها

1968 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري ويوسف بن يزيد ، قالا : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أنبأنا صالح بن صالح الهمداني ، قال : كنت عند الشعبي فجاءه رجل من أهل خراسان فقال : يا أبا عمرو إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته ؟ قال الشعبي أخبرني أبو بردة بن أبي موسى ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم أدركه النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه فله أجران ، وعبد مملوك يؤدي حق الله تعالى وحق سيده عليه فله أجران ، ورجل له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ، ثم أدبها فأحسن أدبها ، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ، ثم قال الشعبي للخراساني : خذ هذا [ ص: 224 ] الحديث بغير شيء فقد كان الرجل يرحل إلى المدينة فيما هو أدنى منه .

1969 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد الثوري ، عن صالح ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ، وأيما عبد مملوك أدى حق الله عليه وحق مواليه فله أجران ، وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم أسلم فآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله أجران .

1970 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن صالح بن صالح الهمداني ، قال : جاء رجل من أهل خراسان إلى عامر ؛ ثم ذكر مثل حديث صالح ، وحديثه الذي ذكرناه في أول هذا الباب ، عن سعيد بن منصور ، عن هشيم غير أنه قال فيه : وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي كان له أجران .

[ ص: 225 ]

1971 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم يعني الدورقي ، قال : حدثني ابن أبي زائدة ، عن صالح بن صالح ، عن عامر ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله غير أنه قال : ومؤمن أهل الكتاب ولم يذكر كلام الشعبي الذي في آخره .

1972 - حدثنا الحسن بن غليب الأزدي ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان الرازي ، عن صالح بن صالح الهمداني أبي حسن بن حي ، ثم ذكر مثل حديث يوسف ، عن حجاج ، عن أبي عوانة سواء .

1973 - حدثنا علي بن سعيد بن بشير الرازي ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا معمر بن راشد ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل آمن بالكتاب الأول والكتاب الآخر ، ورجل له أمة فأدبها فأحسن تأديبها ، ثم أعتقها فتزوجها ، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده ، أو كما قال .

[ ص: 226 ]

1974 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا عبد الكريم بن روح ، قال : حدثنا شعبة ، عن صالح بن صالح ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، ثم ذكر مثل حديث يوسف بن يزيد ، عن حجاج ، عن أبي عوانة ، عن صالح .

1975 - وحدثنا أحمد بن عبد الله بن خليد الكندي ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا أبو عوانة وسفيان بن عيينة ، عن صالح بن صالح ثم ذكر بإسناده مثله .

قال أبو جعفر : وهذا الذي جئنا بهذه الآثار من أجله ، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثلاثة الذين يؤتون أجرهم مرتين: ورجل آمن بنبيه ثم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به؛ لأنا عقلنا بذلك أن ما أراد من دخل من أهل دين النبي الذي كان قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان مؤمنا به في دين النبي . وعقلنا بذلك أن النبي الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقبه من أنبياء الله عز وجل صلوات الله عليهم هو عيسى صلى الله عليه وسلم ، فمن كان كذلك استحق أجره مرتين ، وأن من لم يكن كذلك لم يستحق بدخوله في دين النبي صلى الله عليه وسلم إلا أجرا واحدا ، وهو أجر دخوله في دينه .

فأما ما كان فيه قبل ذلك من دين موسى صلى الله عليه وسلم فإنه لا يستحق به مثل ذلك لأن [ ص: 227 ] دين عيسى صلى الله عليه وسلم قد كان طرأ على دين موسى صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه فخرج بذلك من دين موسى صلى الله عليه وسلم ، ثم اتبع النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان قبل اتباعه إياه على غير ما كان الله عز وجل تعبده أن يكون عليه من دين عيسى صلى الله عليه وسلم .

وعقلنا بما ذكرنا أن الذي يؤتى أجره مرتين بإيمانه كان بنبيه ثم بإيمانه كان بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ما تعبد عليه من دين النبي الذي كان قبله ، وهو عيسى صلى الله عليه وسلم حتى دخل منه في دين النبي صلى الله عليه وسلم .

ومما يؤكد ما قد ذكرنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله في حديث عياض بن حمار .

1976 - ما قد حدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن أبي داود جميعا قالا : حدثنا أبو عمر الحوضي ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، قال : حدثنا قتادة ، قال : حدثني العلاء بن زياد ، ويزيد أخو مطرف ، ورجلان آخران نسي همام أسماءهما - أن مطرفا حدثهم .

أن عياض بن حمار حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : إن الله تبارك وتعالى اطلع على عباده فمقتهم عجمهم وعربهم ، إلا بقايا من أهل الكتاب

[ ص: 228 ] فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لم يدخل في مقت الله عز وجل ذلك بقايا من أهل الكتاب وهم عندنا - والله أعلم - الذين بقوا على ما بعث به عيسى صلى الله عليه وسلم ممن لم يبدله ، ولم يدخل فيه ما ليس منه ، وبقي على ما تعبده الله عليه حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ هذا القول والله تعالى نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية