الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله : ( ولا نصدق كاهنا ولا عرافا ، ولا من يدعي شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة )

ش : روى مسلم والإمام أحمد عن صفية بنت أبي عبيد ، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من أتى عرافا فسأله عن شيء ، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة .

وروى الإمام أحمد في مسنده ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من أتى عرافا أو كاهنا ، فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد .

والمنجم يدخل في اسم العراف عند بعض العلماء ، وعند بعضهم هو في معناه . فإذا كانت هذه حال السائل ، فكيف بالمسئول ؟

وفي الصحيحين ومسند الإمام أحمد ، عن عائشة ، قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان ؟ فقال : ليسوا بشيء ، فقالوا : يا رسول الله ، إنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا ؟ فقال رسول [ ص: 760 ] الله صلى الله عليه وسلم : تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه ، فيخلطون معها [ أكثر من ] مائة كذبة .

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ثمن الكلب خبيث ، ومهر البغي خبيث ، وحلوان الكاهن خبيث .

وحلوانه : الذي تسميه العامة حلاوته .

ويدخل في هذا المعنى ما يعطاه المنجم وصاحب الأزلام التي يستقسم بها ، مثل الخشبة المكتوب عليها " ا ب ج د " والضارب بالحصى ، والذي يخط في الرمل . وما تعاطاه هؤلاء حرام . وقد حكى [ ص: 761 ] الإجماع على تحريمه غير واحد من العلماء ، كالبغوي والقاضي عياض وغيرهما .

وفي الصحيحين عن زيد بن خالد ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ، على إثر سماء كانت من الليل ، فقال : أتدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي ، كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك كافر بي ، مؤمن بالكوكب .

وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد ، عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أربع في أمتي من أمر الجاهلية ، لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة .

والنصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر الأئمة ، بالنهي عن [ ص: 762 ] ذلك ، أكثر من أن يتسع هذا الموضع لذكرها .

وصناعة التنجيم ، التي مضمونها الإحكام والتأثير ، وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية أو التمزيج بين القرى الفلكية والغوائل الأرضية - : صناعة محرمة بالكتاب والسنة ، بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين ، قال تعالى : ولا يفلح الساحر حيث أتى [ طه : 69 ] . وقال تعالى : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت [ النساء : 51 ] .

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره : الجبت السحر .

وفي صحيح البخاري ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان لأبي بكر غلام يأكل من خراجه ، فجاء يوما بشيء ، فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام : تدري مم هذا ؟ قال : وما هو ؟ قال : كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية ، وما أحسن الكهانة ، إلا أني خدعته ، فلقيني ، فأعطاني [ ص: 763 ] بذلك ، فهذا الذي أكلت منه ، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه .

والواجب على ولي الأمر وكل قادر أن يسعى في إزالة هؤلاء المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى والقرع والفالات ، ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات ، أو يدخلوا على الناس في منازلهم لذلك . ويكفي من يعلم تحريم ذلك ولا يسعى في إزالته ، مع قدرته على ذلك - قوله تعالى : كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون [ المائدة : 79 ] . وهؤلاء الملاعين يقولون الإثم ويأكلون السحت ، بإجماع المسلمين . وثبت في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية الصديق رضي الله عنه ، أنه قال : إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه .

وهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال الخارجة عن الكتاب والسنة ، أنواع :

نوع منهم : أهل تلبيس وكذب وخداع ، الذين يظهر أحدهم طاعة [ ص: 764 ] الجن له ، أو يدعي الحال من أهل المحال ، من المشايخ النصابين ، والفقراء الكذابين ، والطرقية المكارين ، فهؤلاء يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن الكذب والتلبيس . وقد يكون في هؤلاء من يستحق القتل ، كمن يدعي النبوة بمثل هذه الخزعبلات ، أو يطلب تغيير شيء من الشريعة ، ونحو ذلك .

ونوع يتكلم في هذه الأمور على سبيل الجد والحقيقة ، بأنواع السحر . وجمهور العلماء يوجبون قتل الساحر ، كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في المنصوص عنه ، وهذا هو المأثور عن الصحابة ، كعمر وابنه وعثمان وغيرهم . ثم اختلف هؤلاء : هل يستتاب أم لا ؟ وهل يكفر بالسحر ؟ أم يقتل لسعيه في الأرض بالفساد ؟ وقال طائفة : إن قتل بالسحر قتل ، وإلا عوقب بدون القتل ، إذا لم يكن في قوله وعمله كفر ، وهذا هو المنقول عن الشافعي ، وهو قول في مذهب أحمد رحمهما الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية