الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
ومن العجب أنه ذكر في "نهايته" على لسان منازعيه إجماع المسلمين على تكفير المشبهة، وأنه ليس هو الذي يذهب إلى كون الله تعالى وتقدس شبيها بخلقه من كل الوجوه، فإن هذا لم يذهب إليه عاقل. فتعين أن يكون هو الذي يثبت الإله على صفة يشبهه معها بخلقه، ثم ذكر هو إجماع المسلمين علىكون الله شبيها بخلقه من بعض الوجوه، [ ص: 496 ] فالذي ذكر أولئك إجماع المسلمين على تكفير قائله ذكر هو إجماع المسلمين على القول به ! !

وهذا الذي قرره في "نهاية العقول، في علم الأصول" الذي صنفه بعد هذا الكتاب وقرر في أوله أن علم أصول الدين أجل العلوم وأشرفها وأعلاها وأنهاها، قال: (ثم إن جماعة من الأفاضل الذين لا يوجد أمثالهم إلا على تباين الأعصار ونوادر الأدوار، لما طال اقتراحهم لدي، وكثر إلحاحهم علي، في تصنيف كتاب في أصول الدين، يشتمل على نهايات الأفكار العقلية، وغايات المباحث العلمية، صنفت هذا الكتاب بتوفيق الله تعالى على نحو ملتمسهم، وأوردت فيه من الدقائق والحقائق ما لا يكاد يوجد في شيء من كتب الأولين والآخرين، والسابقين واللاحقين، من الموافقين [ ص: 497 ] والمخالفين. وإن كتابي يتميز على سائر الكتب المصنفة في هذا المعنى بثلاثة أمور: أحدها: الاستقصاء في الأسئلة والأجوبة، والتعمق في بحار المشكلات على وجه ربما يكون انتفاع صاحب كل مذهب بكتابي هذا أكثر من انتفاعه بالكتب التي صنفها أصحاب ذلك المذهب، فإني أوردت من كل كلام زبدته، ومن كل بحث نقاوته حتى إني إذا لم أجد لأصحاب ذلك المذهب كلاما يعول عليه ويلتفت إليه في نصرة مذهبهم وتقرير مقالتهم استنبطت من نفسي أيضا ما يمكن أن يقال في تقرير ذلك المذهب، وتحرير ذلك المطلب، وإن كنا نرد بالعاقبة كل رأي، ونزيف كل رؤية، سوى ما اختاره أهل السنة والجماعة، ونبين بالبراهين الباهرة، والأدلة القاهرة أن ذلك [ ص: 498 ] الذي يجب له الانقياد بالسمع والطاعة.

وثانيهما: استنباط الأدلة الحقيقية، والبراهين اليقينية، المفيدة للعلم الحقيقي واليقين التام؛ لا الإلزامات التي منتهى المقصود من إيرادها مجرد التعجيز والإفحام.

وثالثها: الترتيب العجيب، والتلفيق الأنيق، الذي يوجب التزامه على ملتزمه إيراد جميع مداخل الشكوك والشبهات، والاجتناب عن الحشو والإطناب، وهذا كله لا يعلمه إلا من تقدم تحصيله لأكثر كلام العلماء، وتحقق وقوعه على مجامع مباحث العقلاء، من المحققين والمبطلين، والموافقين والمخالفين، حتى يمكن بعد ذلك فهم ما فيه من الأدلة العقلية، والشكوك العويصة القوية، فإني قلما تكلمت في المبادئ والمقدمات، بل أكثر العناية كان مصروفا إلى [ ص: 499 ] تلخيص النهايات والغايات ).

قال: (ولما خرج الكتاب على هذا الوجه سميته "نهاية العقول، في دراية الأصول" ليكون الاسم موافقا للمسمى واللفظ مطابقا للمعنى، وجعلته خالصا لوجه الله تعالى الكريم، وطلب مرضاته، والفوز العظيم بثوابه، والهرب من أليم عذابه، وسألت الله تعالى أن يعظم لي الانتفاع به [و ] للمسلمين في الدارين، ويجعله سبب السعادة في المنزلتين، إنه قريب مجيب.

التالي السابق


الخدمات العلمية