الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 93 ] الباب الخامس

                                                                                                                في زكاة النعم

                                                                                                                والأصل فيها قوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) . ( التوبة : 103 ) وفي ( الموطأ ) : إن في كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب الصدقة : في أربع وعشرين من الإبل فدونها ، الغنم في كل خمس شاة ، وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين ابنة مخاض ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين ابنة لبون ، وفيما فوق ذلك إلى ستين : حقة طروقة الفحل ، وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة ، وفيما فوق ذلك إلى تسعين ابنتا لبون ، وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الفحل ، فإن زاد على ذلك من الإبل ففي كل أربعين ابنة لبون ، وفي كل خمسين حقة ، وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ، وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان ، وفيما فوق ذلك إلى ثلاثمائة ثلاث شياه ، فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة ، ولا يخرج في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار إلا ما شاء المصدق ، ولا يجمع بين مفترق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية ، وفي الرقة إذا بلغت ( خمس [ ص: 94 ] أواق ربع العشر ) قال صاحب ( الاستذكار ) : معنى ما في كتاب عمر : في كتاب كتبه لعماله فلم يخرجه حتى قبض ، وعمل به أبو بكر - رضي الله عنه - حتى قبض . ثم عمر حتى قبض ، ولم يزل الخلفاء يعملون به ، وفي ( الموطأ ) أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ، ومن أربعين بقرة مسنة ، وأتي بأدون من ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا ، وقال : لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فيه شيئا حتى ألقاه فأسأله ، فتوفي عليه السلام قبل أن يقدم فهو يدل على أنه سمع ما أخذ .

                                                                                                                ( فائدة ) : يشكل قوله عليه السلام : فابن لبون ذكر ، والابن لا يكون إلا ذكرا ، وكذلك قوله في المواريث : فلأولى رجل ذكر ، والرجل لا يكون إلا ذكرا ، جوابه : أنه أشار إلى السبب الذي زيد لأجله في السن فعدل عن بنت مخاض بنت سنة إلى ابن اللبون ابن سنتين ، فكأنه يقول : إنما زيدت فضيلة السنة لبعضه وصف الذكورية ، وإنما استحق العصبة الميراث لوصف الرجولية التي تقي فضيلة السنة لنقيضه وصف الذكورية وإنما استحق العصبة الميراث لوصف الرجولية .

                                                                                                                وتختص الزكاة عند مالك - رحمه الله - و ( ش ) و ( ح ) ببهيمة الأنعام الإنسية خلافا لابن حنبل في بقر الوحش ، لنا : أنها لا تجزئ في الضحايا والهدايا ، فلا تجب فيها الزكاة قياسا على الظباء ، ولا تجب في غير الأنعام خلافا ل ( ح ) ، وفي الخيل إذا كانت ذكورا وإناثا ، واختلف قوله : إذا كانت ذكورا أو إناثا ، وخير ربها بين إعطاء دينار عن كل وجه فرس أو ربع عشر قيمتها ، محتجا بقوله عليه السلام : ( الخيل السائمة في كل فرس دينار ) ولأنها تعد للنماء فتجب فيها الزكاة قياسا على الغنم ، [ ص: 95 ] والجواب عن الأول : منع الصحة ، وعن الثاني : النقض بالحمير ، ولأنها لا تصلح للضحايا والهدايا فتكون النعمة في مواطن الإجماع أتم ، فلا يلحق به صورة النزاع .

                                                                                                                وفي ( الجواهر ) لا يجب الزكاة في المتولد بين الظباء والنعم ، وقاله ( ش ) لأنه يتركب من جنس ما لا يوجب وما يوجب فلا تجب فيه ، كالنقد المغشوش ، ويقال : كل متركب من نوعين من الحيوان لا يعقب فيكون قاصرا عن موضع الإجماع ، وفرق القاضي أبو الحسن بين أن يكون الإناث من الغنم فتجب أو من غيرها فلا تجب ، لتبعية الأولاد للأمهات في الملك ، فتتبعها في الزكاة ، وقيل : تجب مطلقا نظرا لحصول المالية .

                                                                                                                والأنعام ثلاثة أنواع : الأول : الغنم ، ويتمهد فقهه بإيضاح ما توجب منه الزكاة ، وشروط الوجوب ، والواجب فيه ، فهذه ثلاثة فصول .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية