الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 126 ] القسم الثالث : الضعيف .


90 - أما الضعيف فهو ما لم يبلغ مرتبة الحسن وإن بسط بغي      91 - ففاقد شرط قبول قسم
واثنين قسم غيره وضم      92 - سواهما فثالث وهكذا
وعد لشرط غير مبدوء فذا      93 - قسم سواها ثم زد غير الذي
قدمته ثم على ذا فاحتذي      94 - وعده البستي فيما أوعى
لتسعة وأربعين نوعا

.

( أما الضعيف فهو ما لم يبلغ مرتبة الحسن ) ولو بفقد صفة من صفاته ، ولا احتياج لضم الصحيح إليه ; فإنه حيث قصر عن الحسن ، كان عن الصحيح أقصر ، ولو قلنا بتباينهما .

( وإن بسط بغي ) أي : وإن طلب بسط وتركيب لأقسامه ( ففاقد شرط قبول قسم ) أي : شرطا من شروط المقبول الذي هو أعم من الصحيح والحسن ، وهي ستة : اتصال السند ، والعدالة ، والضبط ، ونفي الشذوذ ، ونفي العلة القادحة ، والعاضد عند الاحتياج إليه ، التي بالنظر لانتفائها اجتماعا وانفرادا تتعدد أقسامه ، ففقد الاتصال مثلا قسم تحته ثلاثة : المرسل ، والمنقطع ، والمعضل .

( و ) فاقد ( اثنين ) منها ; وهما الاتصال مع آخر من الخمسة الباقية ( قسم غيره ) أي : غير الأول تحته ثمانية عشر بالنظر إلى الضعيف والمجهول اللذين يشملهما فقد العدالة ; لأنك تضربهما ، والأربعة الباقية في الثلاثة الداخلة تحت فقد الاتصال ، فتبلغ ذلك ، وحينئذ فمجموع القسمين أحد وعشرون قسما .

( وضم سواهما ) أي : وضم واحد غير فقد الاتصال ، والآخر الذي فقد معه من باقيها إليها بحيث يصير المفقود ثلاثة لا غير ( فـ ) ذلك قسم ( ثالث ) تحته ستة وثلاثون ; لأنك تضم إلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع قسمي العدالة ، وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع الضبط ، وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع العاضد - [ ص: 127 ] الشذوذ مرة والعلة أخرى .

وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع قسمي العدالة ، الضبط تارة ، والعاضد أخرى ، وكذا ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع شرطين آخرين ; وهما اجتماع الشذوذ والعلة ، فتلك ثلاثة ، وبها يصير هذا القسم تسعة وثلاثين .

( وهكذا ) فافعل إلى آخر الشروط ; فخذ ما فقد فيه شرط آخر مضموما إلى فقد الشروط الثلاثة المتقدمة ، فهو قسم آخر تحته اثنا عشر ; لأنك تضم إلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع قسمي العدالة ، وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع الضبط ، وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع العاضد - الشذوذ والعلة معا .

ثم ارتق إلى ما فقد فيه خمسة أو ستة ، منها فقد الاتصال بحسب الإمكان ، من غير أن تجمع أقسام الاتصال أو اثنين منها .

وكذا قسمي العدالة بأن تجعل مثلا المرسل مع المنقطع أو مع المعضل ، أو الضعيف مع المجهول في قسم واحد ( و ) بعد الانتهاء من هذا الشرط وهو الاتصال ( عد ) أي : ارجع ( لشرط غير مبدوء ) به أولا ; وهو العدالة مثلا ( فذا قسم سواها ) أي : الأقسام الماضية تحته اثنان .

( ثم زد ) مع كل من هذين ( غير الذي قدمته ) وتحته ثمانية ; لأنك تضم ما فقد فيه الضبط أو العاضد أو فيه شذوذ أو علة لكل منهما ( ثم على ذا ) الحذو ( فاحتذي ) بمهملة ثم مثناة مفتوحة بعدها معجمة ، أي : اقتد أنت .

والمعنى أنك تكمل هذا العمل الثاني الذي بدأته بفقد الشرط المثنى به ، كما كملت الأول ; بأن تضم إلى فقد العدالة بقسميها ، والآخر الذي فقد معه من باقيها ثالثا ، إلى أن ينتهي العمل ، ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط غير الأولين اللذين بدأت بكل منهما في عمليك ، وهو الضبط ، ثم ضمه إلى واحد من الثلاثة الباقية ، ثم إلى اثنين ، وهكذا فافعل في فقد العاضد ، ثم عد فخذ الشاذ منفردا ، ثم مضموما مع المعلل ، ثم عد فخذ المعلل منفردا .

وإلى هنا انتهى العمل ، وهو مع كونه بحسب الفرض لا الواقع ليس بآخره ، بل [ ص: 128 ] لو نظرنا إلى أن فقد الاتصال يشمل أيضا المعلق والمنقطع الخفي كالتدليس ، وفقد العدالة يشمل الضعيف بكذب راويه أو تهمته بذلك أو فسقه أو بدعته أو جهالة عينه أو جهالة حاله ، وفقد الضبط يشمل كثرة الغلط والغفلة والوهم وسوء الحفظ والاختلاط والمخالفة - لزادت الأقسام كثيرا ، كما أشار إليه ابن الصلاح بقوله : وما كان من الصفات له شروط ، فاعمل في شروطه نحو ذلك ، فيتضاعف بذلك الأقسام .

ولكن قد صرح غير واحد - منهم شيخنا - بأن ذلك مع كثرة التعب فيه قليل الفائدة ، ولا يقال : إن فائدته كون ما كثر فقد شروط القبول فيه أضعف ; لأنه ليس على إطلاقه ، فقد يكون الفاقد للصدق وحده أضعف من فاقد جميع ما عداه مما ذكر ; لأن فقد العدالة غير منحصر في الكذب .

وقول ابن الصلاح : " ثم ما عدم فيه جميع صفات القبول هو القسم الأرذل " - قد لا يعارضه ، كما أنه لا يقال : فائدته تخصيص كل قسم منها بلقب ; إذ لم يلقب منها إلا المرسل ، والمنقطع ، والمعضل ، والمعلل ، والشاذ ، وكذا لقب مما لم يذكر في الأقسام المقطوع ، والمدرج ، والمقلوب ، والمضطرب ، والموضوع ، والمطروح ، والمنكر ، وهو بمعنى الشاذ ، كما سيأتي بيانها .

وحينئذ فالاشتغال بغيره من مهمات الفن الذي لا يتسع العمر الطويل لاستقصائه - آكد ، وقد خاض غير واحد ممن لم يعلم هذا الشأن في ذلك ، فتعبوا وأتعبوا .

ولو قيل لأطولهم وأعرضهم : أوجدنا مثالا لما لم يلقب منها بلقب خاص لبقي متحيرا ، ووراء هذا كله أن في بعض الأقسام نزاعا ، وذلك أن اجتماع الشذوذ مع [ ص: 129 ] الضعيف أو المجهول - كما قاله الشارح - غير ممكن على الصحيح ; لأن الشذوذ تفرد الثقة عند الجمهور ، وجوزه شيخنا بأن يكون في السند ثقة خولف وضعيف .

قال : وفائدة ذلك قوة الضعف ; لكثرة الأسباب ، لكن قد يقال : إنه إذا كان في السند ضعيف ، يحال ما في الخبر من تغيير عليه ، نعم إن عرف من خارج أن المخالفة من الثقة ، [ أو كان الضعيف بعد الراوي الذي شذ جاء ما قاله شيخنا ] .

وبالجملة فلما كان التقسيم المطلوب صعب المرام في بادئ الرأي ، لخصه شيخنا بقوله : فقد الأوصاف راجع إلى ما في راويه طعن ، أو في سنده سقط ، فالسقط إما أن يكون في أوله ، أو في آخره ، أو في أثنائه .

ويدخل تحت ذلك المرسل والمعلق والمدلس والمنقطع والمعضل ، وكل واحد من هذه ، إذا انضم إليه وصف من أوصاف الطعن ، وهي تكذيب الراوي ، أو تهمته بذلك ، أو فحش غلطه ، أو مخالفته ، أو بدعته ، أو جهالة عينه ، أو جهالة حاله - فباعتبار ذلك يخرج منه أقسام كثيرة ، مع الاحتراز من التداخل المفضي إلى التكرار ، فإذا فقد ثلاثة أوصاف من مجموع ما ذكر ، حصلت منه أقسام أخرى ، مع الاحتراز مما ذكر ، ثم إذا فقد أربعة أوصاف فكذلك ، ثم كذلك إلى آخره .

فكل ما عدمت فيه صفة واحدة - يعني غير الكذب - يكون أخف مما عدمت فيه صفتان ، إن لم تكن تلك الصفة - يعني المضعفة - قد جبرتها صفة مقوية ، يعني كما قال ابن الصلاح : " من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر في الحسن " .

وهكذا إلى أن ينتهي الحديث إلى درجة الموضوع المختلق ; بأن ينعدم فيه شروط القبول ، [ ص: 130 ] ويوجد فيه ما يشترط انعدامه من جميع أسباب الطعن والسقط .

قال : لكن قال شيخنا - يعني الشارح - : إنه لا يلزم من ذلك ثبوت الحكم بالوضع ، وهو متجه ، لكن مدار الحكم في الأنواع على غلبة الظن ، وهي موجودة هنا . انتهى .

ولا مزيد عليه في الحسن ، وبهذا الاعتبار تزيد أقسامه جملة ( وعده ) أي : قسم الضعيف أبو حاتم بن حبان ( البستي ) الماضي في الصحيح ، الزائد على الصحيحين ( فيما أوعى ) أي : حفظ وجمع ، كما نقله ابن الصلاح عنه ، لكن غير معين لتصنيف الواقع فيه .

وزعم الزركشي أن ذلك في أول كتابه في الضعفاء ، وليس كذلك ، فالذي فيه إنما هو تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة ، لا تقسيم الحديث الضعيف ، وهو التباس بعيد ، خصوصا وعدة ما ذكره عشرون قسما ( لتسعة ) بتقديم المثناة ( وأربعين نوعا ) خمسين قسما إلا واحدا ، كما هو عبارة ابن الصلاح ، ولكن الأولى أخصر ، مع موافقتها لاصطلاح الحساب في تقديم العطف على الاستثناء .

والثانية أسلم من عروض التصحيف ، ومن دخول اللام ; لكون " عده " متعديا مع نطق القرآن بهما في قوله : تسع وتسعون نعجة [ ص : 23 ] ، و ألف سنة إلا خمسين عاما [ العنكبوت : 14 ] .

على أنه كان يمكن الناظم - كما قال شيخنا - أن يقول : " مستوعبا خمسين إلا نوعا " ، وللخوف من التصحيف أيضا ثبت الجمع بينهما في الصحيحين : إن لله [ ص: 131 ] تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، إذا علم هذا ، فسيأتي قبيل " من تقبل روايته ومن ترد " مسائل تدخل في هذا القسم لا بأس باستحضارها .

[ تتمة ] : أفرد ابن الجوزي عن هذا نوعا آخر سماه المضعف ، وهو الذي لم يجتمع على ضعفه بل فيه إما في المتن أو في السند تضعيف لبعض أهل الحديث ، وتقوية لآخرين ، وهو أعلى مرتبة من الضعيف المجمع عليه . انتهى .

ومحل هذا إذا كان التضعيف هو الراجح ، أو لم يترجح شيء ، وإلا فيوجد في كتب ملتزمي الصحة حتى البخاري ، مما يكون من هذا القبيل أشياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية