الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

                                                                                                                                                                                                                                      الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين قوله : تلك القرى أي التي أهلكناها وهي قرى نوح وصالح ولوط وشعيب المتقدم ذكرها نقص عليك أي نتلو عليك من أنبائها أي من أخبارها وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين ونقص إما في محل نصب على أنه حال ، و تلك القرى مبتدأ وخبر ، أو يكون في محل رفع على أنه الخبر ، و القرى صفة لتلك ، ومن في من أنبائها للتبعيض : أي نقص عليك بعض أنبائها ، واللام في لقد جاءتهم رسلهم بالبينات جواب القسم .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى : أن من أخبارهم أنها جاءتهم رسل الله ببيناته كما سبق بيانه في قصص الأنبياء المذكورين قبل هذا فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بما كذبوا به من قبل مجيئهم أو فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل في حال من الأحوال ولا في وقت من الأوقات بما كذبوا به قبل مجيئهم ، بل هم مستمرون على الكفر متشبثون بأذيال الطغيان دائما ، ولم ينجع فيهم مجيء الرسل ولا ظهر له أثر ، بل حالهم عند مجيئهم كحالهم قبله ، وقيل : المعنى : فما كانوا ليؤمنوا بعد هلاكهم بما كذبوا به لو أحييناهم كقوله : ولو ردوا لعادوا ( الأنعام : 28 ) وقيل : سألوا المعجزات ، فلما رأوها لم يؤمنوا بما كذبوا به من قبل رؤيتها .

                                                                                                                                                                                                                                      والأول أولى ، ومعنى تكذيبهم قبل مجيء الرسل : أنهم كانوا في الجاهلية يكذبون بكل ما سمعوا به من إرسال الرسل ، وإنزال الكتب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين أي مثل ذلك الطبع الشديد يطبع الله على قلوب الكافرين فلا ينجع فيهم بعد ذلك وعظ ولا تذكير ولا ترغيب ولا ترهيب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وما وجدنا لأكثرهم من عهد الضمير يرجع إلى أهل القرى المذكورين سابقا : أي ما وجدنا لأكثر أهل هذه القرى من عهد : أي عهد يحافظون عليه ويتمسكون به ، بل دأبهم نقض العهود في كل حال ، وقيل : الضمير يرجع إلى الناس على العموم : أي ما وجدنا لأكثر الناس من عهد وقيل : المراد بالعهد : هو المأخوذ عليهم في عالم الذر ، وقيل : الضمير يرجع إلى الكفار على العموم من غير تقييد بأهل القرى : أي الأكثر منهم لا عهد ولا وفاء ، والقليل منهم قد يفي بعهده ويحافظ عليه ، وإن في وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين [ ص: 490 ] هي المخففة من الثقيلة ، وضمير الشأن محذوف : أي أن الشأن وجدنا أكثرهم لفاسقين ، أو هي النافية ، واللام في لفاسقين بمعنى إلا : أي إلا فاسقين خارجين عن الطاعة خروجا شديدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي بن كعب في قوله : فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل قال : كان في علم الله يوم أقروا له بالميثاق من يكذب به ممن يصدق به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل قال : مثل قوله : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( الأنعام : 28 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : وما وجدنا لأكثرهم من عهد قال : الوفاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، في الآية قال : هو ذاك العهد يوم أخذ الميثاق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، نحوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين قال : ذاك أن الله إنما أهلك القرى لأنهم لم يكونوا حفظوا ما وصاهم به .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية