الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر هذا الحشر الخاص ، والدليل على مطلق الحشر والنشر ، ذكر الحشر العام ، لئلا يظن أنه إنما يحشر الكافر ، فقال مشيرا إلى عمومهم بالموت كما عمهم بالنوم ، وعمومهم بالإحياء كما عمهم بالإيقاظ : ويوم ينفخ أي : بأيسر أمر في الصور أي : القرن الذي جعل صوته لإماتة الكل.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ما ينشأ عنه من فزعهم مع كونه محققا مقطوعا به كأنه وجد ومضى ، يكون في آن واحد ، أشار إلى ذلك وسرعة كونه بالتعبير بالماضي فقال : ففزع أي : صعق بسبب هذا النفخ من في السماوات

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الأمر مهولا ، كان الإطناب أولى ، فقال : ومن في الأرض أي : كلهم إلا من شاء الله أي : المحيط علما وقدرة وعزة وعظمة ، أن لا يفزع; ثم أشار إلى النفخ لإحياء الكل بقوله : وكل أي : من فزع ومن لم يفزع أتوه أي [ ص: 222 ] بعد ذلك للحساب بنفخة أخرى يقيمهم بها ، دليلا على تمام القدرة في كونه أقامهم بما به أنامهم داخرين أي : صاغرين منكسرين; واستغنى عن التصريح به بما يعلم بالبديهة من أنه لا يمكن إتيانهم في حال فزعهم الذي هو كناية عن بطلان إحساسهم ، هذا معنى ما قاله كثير من المفسرين والذي يناسب سياق الآيات الماضية - من كون الكلام في يوم القيامة الذي هو ظرف لما بين البعث ودخول الفريقين إلى داريهما - أن يكون هذا النفخ بعد البعث وبمجرد صعق هو كالغشي كما أن حشر الأفواج كذلك ، ويؤيده التعبير بالفزع ، ويكون الإتيان بعده بنفخة أخرى تكون بها الإقامة ، فهاتان النفختان حينئذ هما المراد من قوله صلى الله عليه وسلم : "يصعق الناس يوم القيامة" - الحديث ، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى لفظا ومعنى ، ويحل ما فيه من إشكال في آخر سورة الزمر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية