الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أتم الدين بذكر الأصول الثلاثة : المبدأ والمعاد والنبوة ، ومقدمات القيامة وأحوالها ، [وبعض صفتها وما يكون من أهوالها] ، وذلك كمال ما يتعلق بأصول الدين على وجوه مرغبة أتم ترغيب ، مرهبة أعظم ترهيب ، أوجب هذا الترغيب والترهيب لكل سامع أن يقول : فما الذي نعمل [ومن نعبد]؟ فأجابه المخاطب بهذا الوحي. المأمور بإبلاغ هذه الجوامع ، الداعي لمن سمعه ، الهادي لمن اتبعه ، بأنه لا يرضى له ما رضي لنفسه ، وهو ما أمره به ربه ، فقال : إنما أمرت [أي : بأمر من لا يرد له أمر] ، ولا يبعد أن يكون بدلا من قوله : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى فيكون محله نصبا بقل ، [ ص: 227 ] [وعظم المأمور به بإحلاله محل العمدة فقال] : أن أعبد أي : بجميع ما أمركم به رب أي : موجب ومدبر وملك; وعين المراد وشخصه [وقربه] تشريفا وتكريما بقوله : هذه البلدة أي : مكة التي تخرج الدابة منها فيفزع كل من يراها ، ثم تؤمن أهل السعادة ، أخصه بذلك لا أعبد شيئا مما عدلتموه به سبحانه وادعيتم أنهم شركاء ، وهم من جملة ما خلق; ثم وصف المعبود الذي ما أمر بعبادة أحد غيره بما يقتضيه وصف الربوبية ، وتعين البلدة التي أشار إليها بأداة القرب لحضورها في الأذهان لعظمتها وشدة الإلف بها وإرادتها بالأرض التي تخرج الدابة منها ، فصارت لذلك بحيث إذا أطلقت البلدة انصرفت إليها وعرف أنها مكة ، فقال : الذي حرمها تذكيرا لهم بنعمته سبحانه عليهم وتربيته لهم بأن أسكنهم خير بلاده ، وجعلهم بذلك مهابة في قلوب عباده ، بما ألقى في القلوب من أنها حرم ، [لا يسفك بها دم ، ] ولا يظلم أحد ، ولا يباح بها صيد ، ولا يعضد شجرها ، وخصها بذلك من بين سائر بلاده والناس يتخطفون من حولهم وهم آمنون لا ينالهم شيء من فزعهم وهولهم. [ ص: 228 ] ولما كانت إضافتها إليه إنما هي لمحض التشريف ، قال احتراسا عما لعله يتوهم : وله كل شيء أي : من غيرها مما أشركتموه به وغيره خلقا وملكا وملكا ، وليس هو كالملوك الذين ليس لهم إلا ما حموه على غيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانوا ربما قالوا : ونحن نعبده بعبادة من نرجوه يقربنا إليه زلفى ، عين الدين الذي تكون به العبادة فقال : وأمرت أي : مع الأمر بالعبادة له وحده ، [وعظم المفعول المأمور به بجعله عمدة الكلام بوضعه موضع الفاعل فقال] : أن أكون أي : كونا هو في غاية الرسوخ من المسلمين أي : المنقادين لجميع ما يأمر به كتابه أتم انقياد ، ثابتا على ذلك غاية الثبات.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية