الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فصل : إنما الخيار بشرط )

                                                                                                                            ش : قد تقدم أن البيع ينقسم باعتبار ما يعرض له إلى أقسام وأن من جملة ذلك ما يعرض له من جهة لزوم العقد للمتبايعين وعدم لزومه لهما أو لأحدهما فيسمى الأول بيع بت والبت القطع لكل واحد خيار صاحبه ويسمى الثاني بيع خيار والأصل في البيع اللزوم والخيار عارض وينقسم إلى خيار ترو وإلى خيار نقيصة ; لأنه إما من جهة العاقد أو من جهة المعقود عليه فإن كان من جهة العاقد بأن يشترطه أحد المتبايعين أو كلاهما فهو خيار التروي ويسمى الخيار الشرطي ، والتروي النظر والتفكر في الأمر والتبصر فيه وإن كان موجبه ظهور عيب في المبيع أو استحقاق فهو خيار النقيصة ويسمى الخيار الحكمي .

                                                                                                                            وقد يقال إما أن يكون موجب الخيار مصاحبا للعقد أو متقدما عليه والأول هو التروي ; لأنه بشرط أحد المتبايعين حين العقد ، والثاني خيار النقيصة ; لأن العيب الموجب للخيار هو القديم السابق على العقد وبدأ المصنف كغيره بالكلام على القسم الأول أعني خيار التروي وهو الذي ينصرف إليه بيع الخيار عند الإطلاق في عرف الفقهاء وهو كما قال ابن عرفة بيع الخيار بيع وقف بته أولا على إمضاء يتوقع فيخرج ذو الخيار الحكمي قال في التوضيح وهو مستثنى من بيع الغرر للتردد في العقد لا يسمى في جانب من لا خيار له ; لأنه لا يدري ما يئول إليه الأمر لكن أجازه الشارع ليدخل من له الخيار على بصيرة بالثمن والمثمون ولينفي الغبن عن نفسه قال الشافعي لولا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاز الخيار لا في ثلاث ولا في غيرها ، انتهى .

                                                                                                                            ونحوه لابن عبد السلام ولكن قال بدل قول التوضيح أجازه الشارع ولكن الشرع رخص فيه فجعله رخصة وهو أيضا مقتضى كلام التوضيح ونقل ابن عرفة عن المازري في ذلك خلافا ونصه المازري في كونه رخصة لاستثنائه من الغرر الذي فيه كون الثمن يختلف بالكثرة والقلة بحسب البت والخيار وهذا غير ظاهر ; لأنه وإن كان الثمن يختلف بحسب ذلك المعقود عليه من ذلك معلوم فليس فيه عقد على ثمن لا يدرى أيكثر أم يقل ونبه المصنف بأداة الحصر على أن خيار التروي إنما يكون بالشرط أي بأن يشترطه أحد المتبايعين أو كلاهما لا بالمجلس كما يقوله ابن حبيب والشافعي وابن حنبل قال ابن الحاجب الخيار ترو ونقيصة فالخيار بالشرط لا بالمجلس للفقهاء السبعة ، ابن حبيب هو بالمجلس لحديث الموطإ ومعنى خيار المجلس أن يثبت الخيار للمتبايعين مدة جلوسهما معا حتى يفترقا والحديث الذي أشار إليه هو ما رواه مالك في الموطإ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار ومثله في البخاري ومسلم ونسب ابن الحاجب الحديث للموطإ لينبه على أنه لا ينبغي أن يقال إن مالكا لم يبلغه

                                                                                                                            [ ص: 410 ] الحديث بل علمه ورواه ونبه على أنه إنما ترك العمل به لما هو أرجح عنده فقد قال عقبه في الموطإ وليس لها حد معروف ولا أمر معمول به قال ابن العربي يريد أن فرقتهما ليس لها وقت معلوم قال .

                                                                                                                            وهذه جهالة يقف البيع عليها فيكون كبيع الملامسة والمنابذة وكالبيع إلى أجل مجهول فيكون بيعا فاسدا ولهذا عدل عن ظاهر الحديث الفقهاء السبعة وغيرهم من السلف وأبو حنيفة .

                                                                                                                            ( تنبيه ) ذكر صاحب الإكمال والمازري أن ابن المسيب يقول بخيار المجلس وهو من الفقهاء السبعة فينبغي أن يستثنى ولهذا قال في الشامل كالفقهاء السبعة وقيل إلا ابن المسيب وأيضا قال في بعض طرق الحديث ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله فلو كان خيار المجلس مشروعا لم يحتج إلى الاستقالة وقد أكثر أصحابنا من الأجوبة عن هذا الحديث وقد أتى بأكثرها المازري في شرح التلقين وابن دقيق العيد في شرح العمدة .

                                                                                                                            ( تنبيه ) وافق ابن حبيب والشافعي من أصحابنا المتأخرين عبد الحميد الصائغ وهي إحدى المسائل الثلاث التي حلف عبد الحميد بالمشي إلى مكة أن لا يفتي فيها بقول مالك ، والثانية التدمية البيضاء ، والثالثة جنسية القمح والشعير

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية