الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 306 ] إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين

                                                                                                                                                                                                                                      إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم ذلك بعد ما بين لهم أحوال المبدإ والمعاد وشرح أحوال القيامة تنبيها لهم على أنه قد أتم أمر الدعوة بما لا مزيد عليه ولم يبق له - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك شأن سوى الاشتغال بعبادة الله عز وجل والاستغراق في مراقبته غير مبال بهم ضلوا أم رشدوا ، صلحوا أو فسدوا ، ليحملهم ذلك على أن يهتموا بأمور أنفسهم ولا يتوهموا من شدة اعتنائه - صلى الله عليه وسلم - بأمر دعوتهم أنه - صلى الله عليه وسلم - يظهر لهم ما يلجئهم إلى الإيمان لا محالة ، ويشتغلوا بتدارك أحوالهم ، ويتوجهوا نحو التدبر فيما شاهدوه من الآيات الباهرة . والبلدة : هي مكة المعظمة ، وتخصيصها بالإضافة لتفخيم شأنها وإجلال مكانها والتعرض لتحريمه تعالى إياها تشريف لها بعد تشريف ، وتعظيم إثر تعظيم ، مع ما فيه من الإشعار بعلة الأمر وموجب الامتثال به ، كما في قوله تعالى : فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ومن الرمز إلى غاية شناعة ما فعلوا فيها ألا يرى أنهم مع كونها محرمة من أن تنتهك حرمتها باختلاء خلاها وعضد شجرها وتنفير صيدها وإرادة الإلحاد فيها بوجه من الوجوه قد استمروا فيها على تعاطي أفجر أفراد الفجور وأشنع آحاد الإلحاد ، حيث تركوا عبادة ربها ونصبوا فيها الأوثان وعكفوا على عبادتها قاتلهم الله أنى يؤفكون . وقرئ : "حرمها" بالتخفيف .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : وله كل شيء أي : خلقا وملكا وتصرفا من غير أن يشاركه شيء في شيء من ذلك ، تحقيق للحق وتنبيه على أن إفراد مكة بالإضافة لما ذكر من التفخيم والتشريف مع عموم الربوبية لجميع الموجودات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأمرت أن أكون من المسلمين أي : أثبت على ما كنت عليه من كوني من جملة الثابتين على ملة الإسلام والتوحيد ، أي : الذين أسلموا وجوههم لله خالصة من قوله تعالى : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية