الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        باب زكاة الذهب والفضة

                                                                                                                                                                        لا زكاة فيهما فيما دون النصاب . ونصاب الفضة مائتا درهم . والذهب : عشرون مثقالا ، وزكاتهما ربع العشر ، ويجب فيما زاد على النصاب منهما بحسابه ، قل [ ص: 257 ] أم كثر ، وسواء فيهما المضروب والتبر ، وغيره ، والاعتبار بوزن مكة . فأما المثقال فمعروف ، ولم يختلف قدره في الجاهلية ولا في الإسلام . وأما الفضة : فالمراد دراهم الإسلام ، وزن الدرهم ستة دوانيق ، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ذهب . وقد أجمع أهل العصر الأول على هذا التقدير . قيل : كان في زمن بني أمية ، وقيل : كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ولو نقص عن النصاب حبة أو بعض حبة فلا زكاة ، وإن راج رواج التام ، أو زاد على التام بجودة نوعه ولو نقص في بعض الموازين وتم في بعضها - فوجهان . الصحيح أنه لا زكاة ، وبه قطع المحاملي وغيره . ويشترط ملك النصاب بتمامه حولا كاملا . ولا يكمل نصاب أحد النقدين بالآخر ، كما لا يكمل التمر بالزبيب ، ويكمل الجيد بالرديء من الجنس الواحد ، كأنواع الماشية . والمراد بالجودة : النعومة ، والصبر على الضرب ونحوهما . وبالرداءة : الخشونة ، والتفتت عند الضرب . وأما إخراج زكاة الجيد والرديء ، فإن لم تكثر أنواعه ، أخرج من كل بقسطه ، وإن كثرت وشق اعتبار الجميع أخرج من الوسط . ولو أخرج الجيد عن الرديء ، فهو أفضل ، وإن أخرج الرديء عن الجيد ، لم يجزئه على الصحيح الذي قطع به الأصحاب . وقال الصيدلاني : يجزئه ، وهو غلط . ويجوز إخراج الصحيح عن المكسر ، ولا يجوز عكسه ، بل يجمع المستحقين ويصرف إليهم الدينار الصحيح بأن يسلمه إلى واحد بإذن الباقين ، هذا هو الصحيح المعروف . وحكي وجه أنه يجوز أن يصرف إلى كل واحد حصته مكسرا . ووجه أنه يجوز ذلك ، لكن مع التفاوت بين الصحيح والمكسر . ووجه أنه يجوز إذا لم يكن بين الصحيح والمكسر فرق في المعاملة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 258 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا كان له دراهم أو دنانير مغشوشة ، فلا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابا ، فإذا بلغه ، أخرج الواجب خالصا ، أو أخرج من المغشوش ما يعلم اشتماله على خالص بقدر الواجب . ولو أخرج عن ألف مغشوشة خمسة وعشرين خالصة أجزأه وقد تطوع بالفضل ، ولو أخرج خمسة مغشوشة عن مائتين خالصة ، لم تجزئه . وهل له الاسترجاع ؟ حكوا عن ابن سريج فيه قولين ، أحدهما : لا ، كما لو أعتق رقبة عن كفارة معيبة يكون متطوعا بها ، وأظهرهما : نعم ، كما لو عجل الزكاة فتلف ماله . قال ابن الصباغ : وهذا إذا كان قد بين عند الدفع أنه يخرج عن هذا المال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يكره للإمام ضرب الدراهم المغشوشة ، ويكره للرعية ضرب الدراهم وإن كانت خالصة ؛ لأنه من شأن الإمام . ثم الدراهم المغشوشة إن كانت معلومة العيار صحت المعاملة بها على عينها الحاضرة وفي الذمة . وإن كان مقدار النقرة فيها مجهولا ، ففي جواز المعاملة على عينها وجهان . أصحهما الجواز ؛ لأن المقصود رواجها ، ولا يضر اختلاطها بالنحاس كالمعجونات ، والثاني : لا يجوز كتراب المعدن . فإن قلنا بالأصح ، فباع بدراهم مطلقا ونقد البلد مغشوش - صح العقد ووجب من ذلك النقد ، وإن قلنا بالثاني لم يصح العقد .

                                                                                                                                                                        [ ص: 259 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو كان له إناء من ذهب وفضة وزنه ألف ، من أحدهما ستمائة ومن الآخر أربعمائة ، ولا يعرف أيهما الأكثر، فإن احتاط فزكى ستمائة ذهبا وستمائة فضة - أجزأه ، فإن لم يحتط ، ميزهما بالنار . قال الأئمة : ويقوم مقامه الامتحان بالماء ، بأن يوضع قدر المخلوط من الذهب الخالص في ماء ، ويعلم على الموضع الذي يرتفع إليه الماء ، ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة الخالصة ، ويعلم على موضع الارتفاع ، وهذه العلامة تقع فوق الأولى ؛ لأن أجزاء الذهب أكثر اكتنازا ، ثم يوضع فيه المخلوط ، وينظر ارتفاع الماء به ، أهو إلى علامة الفضة أقرب أم إلى علامة الذهب ؟ ولو غلب على ظنه الأكثر منهما ، قال الشيخ أبو حامد ومن تابعه : إن كان يخرج الزكاة بنفسه ، فله اعتماد ظنه ، وإن دفعها إلى الساعي ، لم يقبل ظنه ، بل يلزمه الاحتياط أو التمييز . وقال إمام الحرمين : الذي قطع به أئمتنا أنه لا يجوز اعتماد ظنه . قال الإمام : ويحتمل أن يجوز له الأخذ بما شاء من التقديرين ؛ لأن اشتغال ذمته بغير ذلك غير معلوم ، وجعل الغزالي في الوسيط هذا الاحتمال وجها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو ملك مائة درهم في يده وله مائة مؤجلة على مليء ، فكيف يزكي ؟ يبنى على أن المؤجل تجب فيه زكاة أم لا ؟ والمذهب وجوبها . وإذا أوجبناها فالأصح أنه لا يجب الإخراج في الحال ، وسبق بيانه . فإن قلنا : لا زكاة في المؤجل ، فلا شيء عليه في مسألتنا ؛ لعدم النصاب . وإن أوجبنا إخراج زكاة المؤجل في [ ص: 260 ] الحال ، زكى المائتين في الحال ، وإن أوجبناها ولم نوجب الإخراج في الحال ، فهل يلزمه إخراج حصة المائة التي في يده في الحال ، أم يتأخر إلى قبض المؤجلة ؟ فيه وجهان . أصحهما : يجب في الحال ، وهما بناء على أن الإمكان شرط للوجوب أو الضمان ، إن قلنا بالأول لم يلزمه ؛ لاحتمال أن لا يحصل المؤجل ، وإن قلنا بالثاني أخرج ، ومن كان في يده دون نصاب ، وتمامه مغصوب ، أو دين ، ولم نوجب فيهما زكاة - ابتدأ الحول من حين يقبض ما يتم به النصاب .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        لا زكاة فيما سوى الذهب والفضة من الجواهر ، كالياقوت ، واللؤلؤ ، وغيرهما ، ولا في المسك والعنبر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية