الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
غزوة حنين وهي غزوة هوازن.

قال ابن إسحاق: ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فتح الله عليه من مكة جمعها مالك بن عوف النصري، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها، وسعد بن بكر وناس من بني هلال وهم قليل، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء، غابت عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، ولم يشهدها منهم أحد له اسم، وفي جشم دريد بن الصمة، شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شجاعا محربا، وفي ثقيف سيدان لهم، وفي الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك، وأخوه أحمر بن الحارث. وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري، فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة، فلما نزل قال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس. قال: نعم محل الخيل، لا حزن ضرس ولا سهل دهس، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف النصري مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال: أين مالك؟ قيل: هذا مالك. ودعي له. فقال: يا مالك! إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء؟ قال: سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم. قال: ولم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله، ليقاتل عنهم. قال: فأنقض به، ثم قال: راعي ضأن والله، وهل يرد [ ص: 254 ] المنهزم شيء، إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد. قال: غاب الحد والجد، لو كان يوم علاء ورفعة لم يغب عنه كعب وكلاب، ولوددت أنكم فعلتم كما فعلت كعب وكلاب. فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر. قال: ذانك الجذعان من عامر، لا ينفعان ولا يضران. يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا، ارفعهم إلى متمتع بلادهم وعليا قومهم، ثم ألق الصبى على متون الخيل، وإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألقاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك، قال: والله لا أفعل، إنك قد كبرت وكبر عقلك. والله لتطيعنني يا معشر هوازن، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي. قالوا: أطعناك، فقال دريد بن الصمة: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني:


يا ليتني فيها جذع


أخب فيها وأضع


أقود وطفاء الزمع     كأنها شاة صدع

[ ص: 255 ] ثم قال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد. وبعث عيونا من رجاله فأتوه وقد تفرقت أوصالهم. قال: ويلكم ما شأنكم؟ قالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد.

ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن حدرد الأسلمي، وأمره أن يدخل في الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم، فانطلق ابن أبي حدرد، فدخل فيهم، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع من مالك، وأمر هوازن ما هم عليه، ثم أقبل حيث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر. فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعا وسلاحا، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك، فقال: يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غدا. فقال صفوان: أغصبا يا محمد؟ قال: بل عارية، وهي مضمونة حتى نؤديها إليك. قال: ليس بهذا بأس. فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها، ففعل. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه، ففتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، واستعمل عتاب بن أسيد على مكة أميرا ، ثم مضى يريد لقاء هوازن .

التالي السابق


الخدمات العلمية