الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3565 (2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

                                                                                              [ 1830 ] عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أرسلت كلبك، فاذكر اسم الله، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل، فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله، وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل.

                                                                                              وفي رواية: فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك.

                                                                                              رواه مسلم (1929) (6) و (7).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله: وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله ) هذا دليل على جواز الصيد بمحدد السلاح، وكذلك قوله في المعراض: (إذا أصاب بحده فكل) وكذلك قوله تعالى: تناله أيديكم ورماحكم [المائدة: 94] ولا خلاف فيه.

                                                                                              و(قوله: فإن غاب عنك يوما، فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل )، ونحوه في حديث أبي ثعلبة غير أنه زاد: ( فكله بعد ثلاث ما لم ينتن ) وإلى الأخذ بظاهر هذه الأحاديث صار مالك في أحد أقواله، وسوى بين السهم والكلب.

                                                                                              والقول الثاني: إنه لا يؤكل شيء من ذلك إذا غاب عنك.

                                                                                              والقول الثالث: الفرق بين السهم، فيؤكل، وبين الكلب فلا يؤكل. ووجهه أن السهم يقتل على جهة واحدة فلا يشكل، والجارح على جهات متعددة فيشكل. والقول الثاني أضعفها.

                                                                                              و(قوله: ما لم ينتن ) اختلف العلماء في تعليل هذا المنع، فمنهم من قال: إذا أنتن لحق بالمستقذرات التي تمجها الطباع، فيكره أكلها تنزيها، فلو أكلها لجاز، كما قد أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - الإهالة السنخة، وهي المنتنة. ومنهم من قال: بل هو معلل بما يخاف منه الضرر على آكله، وعلى هذا التعليل يكون أكله محرما; إن كان الخوف محققا. وقيل: إن ذلك النتن يمكن أن يكون من نهش ذوات السموم. قال ابن شهاب : كل مما قتل إلا أن ينعطن، فإذا انعطن فإنه نهش. وفسروا (ينعطن) بأنه إذا مد تمرط. قال ابن الأعرابي : إهاب معطون، وهو الذي تمرط شعره.

                                                                                              و(قوله: وإن وجدته غريقا في الماء، فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك ؟) هذا محمله على الشك المحقق في السبب القاتل للصيد، والشك: تردد بين مجوزين لا ترجيح لأحدهما على الآخر، فما كان كذلك لم يؤكل، وأما لو تحقق أن سهمه أنفذ مقاتله، ثم وقع في الماء، أو سقط من الهواء، أو ما شاكل ذلك، فإنه يؤكل. وهو مذهب الجمهور: مالك ، والشافعي وغيرهما. وقد روى ابن وهب عن مالك كراهة ذلك على ما حكاه ابن المنذر ، وهي من جهة الورع، والله أعلم.

                                                                                              [ ص: 213 ] و(قوله: فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك ) دليل على أن المشاركة في قتل الصيد لا تضر إذا تحقق أن سهمه أو جارحه قتله، وكذلك إذا أصابه السهم في الهواء، فسقط، أو تردى من جبل، لكن هذا إنما يتحقق إذا وجد السهم أو الجارح قد أنفذ مقاتله، فحينئذ لا تضر المشاركة، فلو لم يعلم ذلك حرم الأكل على نص هذا الحديث; خلافا للشافعي ، فإنه قال فيما رمي في الهواء، فسقط ميتا، ولم يدر مم مات: إنه يؤكل. وقاله أبو ثور ، وأصحاب الرأي. قال ابن المنذر : وروى ابن وهب عن مالك نحو قول هؤلاء.

                                                                                              قلت: والصحيح الأول، وهو المشهور من قول مالك وهو قول الجمهور، وهو الذي يظهر من هذا الحديث.




                                                                                              الخدمات العلمية