الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ التنبيه الثاني ] [ أقسام اللازم ]

                                                      إن اللازم على قسمين : لازم في الذهن بمعنى أن الذهن ينتقل إليه عند فهم المعنى ، ويلزم من تصور الشيء تصوره ، كالفردية للثلاثة والزوجية للأربعة سواء كان لازما في الخارج أيضا ، كالسرير في الارتفاع من الأرض ، إذ السرير كلما وجد في الأرض فهو مرتفع ، ومهما تصور في الذهن فهو مرتفع ، أو لم يكن كالسواد إذا أخذ بقيد كونه ضدا للبياض ، فإن تصوره من هذه الحيثية يلزمه تصور البياض ، فهما متلازمان في الذهن متنافيان في الخارج ، ولا يتصور ذلك في اللازم الخارجي فقط كالسرير مع الإمكان ، فإنه مهما وجد السرير في الخارج فهو ممكن ضرورة ، وقد يتصور السرير ويذهل عن إمكانه ، فافهم هذا التقرير فإنه الصواب ، وفي عباراتهم إيهام ، واللازم الثاني في الوجود وهو كون المسمى بحيث يلزم من حصوله في الخارج حصول الخارجي فيه . [ ص: 274 ] إذا عرفت ذلك فلا خلاف في أن المعتبر في دلالة الالتزام اللزوم الذهني ، سواء كان في ذهن كل واحد كما في المتقابلين ، أو عند العالم بالوضع ، وزاد الإمام فخر الدين : " ظاهرا " لأن القطعي غير معتبر ، وإلا لم يجز إطلاق اسم اليد على القدرة ونحوه ، فإن اليد لا تستلزم القدرة قطعا ، لأن اليد تكون شلاء بل ظاهرا ، ومثله قول السكاكي في المفتاح " : المراد باللزوم الذهني البين القرينة بحيث ينتقل الذهن من فهمه إلى فهمه ، كالشجاعة للأسد ، فإنها لازمة ظاهرة يصح إطلاق الأسد لإرادتها بخلاف البخر ، وإن كان لازما للأسد لا أنه أخفى ، فلا يجوز إطلاق الأسد لإرادته .

                                                      واختلفوا في اللازم الخارجي هل يعتبر في دلالة الالتزام ؟ فذهب جماعة من الأصوليين إلى اعتباره ، فيستدلون باللفظ على كل ما يلزم المسمى ذهنيا أو خارجيا ، ورجحه ابن الحاجب . وذهب المنطقيون ووافقهم الإمام فخر الدين الرازي والبيضاوي إلى أنه لا يشترط لحصول الفهم بدونه كما في الضدين ، وإذا لم يمكن فهم فلا دلالة ، ويرد عليهم أنواع المجازات .

                                                      والحق : التفات هذا الخلاف على أصل سبق في تفسير الدلالة هل يشترط فيها أنه مهما سمع اللفظ مع العلم بالوضع فهم المعنى أم لا ، بل يكفي الفهم في الجملة ؟ وبه يظهر رجحان كلام الأصوليين ، بل قد توسع البيانيون فأجروها فيما لا لزوم بينهما أصلا ، لكن القرائن الخارجية [ ص: 275 ] استلزمته ، ولهذا يجري فيها الوضوح والخفاء بحسب اختلاف الأشخاص والأحوال ، فحصل ثلاثة مذاهب أوسعها الثالث ، وهو الأظهر . واحتج الإمام بأن الجوهر والعرض متلازمان في الخارج ، واللفظ الدال على أحدهما لا يدل على الآخر بالالتزام وهو ضعيف لوجهين :

                                                      أحدهما : أن دلالة اللفظ على المعنى غير استعماله فيه ، فلا يلزم من انتفاء استعمال لفظ الجوهر في العرض وعكسه انتفاء دلالة أحدهما على الآخر بالالتزام ، إذ ليس الاستعمال نفس الدلالة ولا لازمها كما في الوضع الأول قبل الاستعمال .

                                                      الثاني : أنه إنما يتم أن لو لزم من وجود الشرط وجود المشروط ، فلم يلزم من وجود اللزوم الخارجي بدون دلالة الالتزام عدم كونه شرطا لها ، لجواز أن يكون شرطا أو لازما أعم .

                                                      والعجب من الإمام أنه صرح عقيب هذا الاستدلال أن اللزوم الذهني شرط لا موجب ، فبتقدير أن يكون اللزوم الخارجي معتبرا كان كذلك ، فكيف استدل بوجوده مع عدم الاستعمال على عدم الاعتبار ؟

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية