الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 262 ] فصل فيما يحل ويحرم من الحلي

                                                                                                                                                                        وإنما ذكرناها هاهنا ليعلم موضع القطع بوجوب الزكاة ، وموضع القولين . فالمذهب : أصله التحريم في حق الرجال ، وعلى الإباحة للنساء ، ويستثنى من التحريم على الرجال موضعان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : يجوز لمن قطع أنفه اتخاذ أنف من ذهب وإن تمكن من اتخاذه فضة ، وفي معنى الأنف : السن والأنملة ، فيجوز اتخاذهما ذهبا ، وما جاز من الذهب فمن الفضة أولى ، ولا يجوز لمن قطعت يده أو أصبعه أن يتخذهما من ذهب ولا فضة .

                                                                                                                                                                        قلت : وفيه وجه أنه يجوز ، ذكره القاضي حسين وغيره ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الموضع الثاني : هل يجوز للرجل تمويه الخاتم والسيف وغيرهما تمويها لا يحصل منه شيء ؟ فيه وجهان ، وقطع العراقيون بالتحريم . وأما اتخاذ سنأو أسنان من ذهب للخاتم ، فقطع الأكثرون بتحريمه . وقال إمام الحرمين : لا يبعد تشبيهه بالضبة الصغيرة في الإناء ، وكل حلي حرمناه على الرجال حرمناه على الخنثى ، على المذهب ، وعليه زكاته على المذهب ، وقيل : في وجوبها القولان في الحلي المباح ، وأشار في " التتمة " إلى أن له لبس حلي النساء والرجال ؛ لأنه كان له لبسها في الصغر فتبقى . وأما الفضة : فيجوز للرجال التختم بها ، وهل له لبس ما سوى الخاتم من حلي الفضة ، كالدملج ، والسوار ، والطوق ؟ قال الجمهور : يحرم ، وقال صاحب " التتمة " والغزالي في فتاويه : يجوز ؛ لأنه لم يثبت في الفضة إلا تحريم الأواني ، وتحريم التحلي على وجه يتضمن التشبيه بالنساء . ويجوز للرجل تحلية آلات الحرب بالفضة كالسيف ، والرمح ، وأطراف السهام ، والدرع ، والمنطقة ، والرانين ، والخف وغيرها ؛ لأنه يغيظ الكفار . وفي تحلية السرج واللجام والثفر [ ص: 263 ] وجهان ، أصحهما : التحريم ، ونص عليه الشافعي في رواية البويطي والربيع ، وموسى بن أبي جارود ، وأجروا هذا الخلاف في الركاب وبرة الناقة من الفضة . وقطع كثيرون من الأئمة بتحريم القلادة للدابة ، ولا يجوز تحلية شيء مما ذكرنا بالذهب قطعا . ويحرم على النساء تحلية آلات الحرب بالفضة والذهب جميعا ؛ لأن استعمالهن ذلك تشبها بالرجال وليس لهن التشبه ، كذا قاله الجمهور ، واعترض عليهم صاحب المعتمد بأن آلات الحرب من غير تحلية إما أن يجوز لبسها واستعمالها للنساء ، أو لا . والثاني : باطل ؛ لأن كونه من ملابس الرجال ، إنما يقتضي الكراهة دون التحريم ، ألا ترى أنه قال في الأم : ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب وأنه من زي النساء ، لا للتحريم ، فلم يحرم زي النساء على الرجال ، وإنما كرهه ، وكذا عكسه ، ولأن المحاربة جائزة للنساء في الجملة ، وفي جوازها جواز لبس آلاتها ، وإذا جاز استعمالها غير محلاة ، جاز مع التحلية ؛ لأن التحلي لهن أجوز منه للرجال ، وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب أن تشبه النساء بالرجال وعكسه حرام ؛ للحديث الصحيح : لعن الله المتشبهين بالنساء من الرجال ، والمتشبهات من النساء بالرجال وقد صرح الرافعي بتحريمه بعد هذا بأسطر . وأما نصه في الأم فليس مخالفا لهذا ؛ لأن مراده أنه من جنس زي النساء ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ويجوز للنساء لبس أنواع الحلي من الذهب والفضة ، كالطوق ، والخاتم ، والسوار ، والخلخال ، والتعاويذ . وفي اتخاذهن النعال من الذهب والفضة وجهان ، أصحهما : الجواز كسائر الملبوسات ، والثاني : لا ؛ للإسراف . وأما التاج فقالوا : إن جرت عادة النساء بلبسه جاز ، وإلا فهو لباس عظماء الفرس ، فيحرم . وكأن معنى هذا أنه يختلف بعادة أهل النواحي ، فحيث جرت عادة النساء بلبسه [ ص: 264 ] جاز ، وحيث لم تجر لا يجوز ؛ حذارا من التشبه بالرجال ، وفي الدراهم والدنانير التي تثقب وتجعل في القلادة وجهان ، أصحهما : التحريم . وفي لبس الثياب المنسوجة بالذهب أو الفضة وجهان ، أصحهما : الجواز ، وذكرابن عبدان أنه ليس لهن اتخاذ زر القميص والجبة والفرجية منهما ، ولعله جواب على الوجه الثاني . ثم كل حلي أبيح للنساء ، فذلك إذا لم يكن فيه سرف ، فإن كان كخلخال وزنه مائتا دينار ، فوجهان . الصحيح الذي قطع به معظم العراقيين : التحريم ، ومثله إسراف الرجل في آلات الحرب ، ولو اتخذ خواتيم كثيرة ، أو المرأة خلاخل كثيرة ؛ ليلبس الواحد منهما بعد الواحد ، جاز على المذهب ، وقيل : فيه الوجهان .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية