الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ويحرم بيعه ، وكذا المناقلة نقله علي بن سعيد لا يستبدل به ولا يبيعه إلا أن يكون بحال لا ينتفع به ، ونقل أبو طالب لا يغير عن حاله ولا يباع إلا أن لا ينتفع منه بشيء وقاله الأصحاب ، وجوزهما شيخنا لمصلحة ، وأنه قياس الهدي ، وذكره وجها في المناقلة وأومأ إليه أحمد ، ونقل صالح : نقل المسجد لمنفعة للناس ، ونصه : تجديد بنائه لمصلحته ، وعنه برضى جيرانه ، وعنه يجوز شراء دور مكة لمصلحة عامة ، [ ص: 623 ] فيتوجه هنا مثله قال شيخنا : جوز جمهور العلماء تغيير صورته لمصلحة ، كجعل الدور حوانيت والحكورة المشهورة ، ولا فرق بين بناء ببناء وعرصة بعرصة وقال فيمن وقف كروما على الفقراء يحصل على جيرانها به ضرر : يعوض عنه بما لا ضرر فيه على الجيران ، ويعود الأول ملكا والثاني وقفا ، ويجوز نقض منارته وجعلها في حائطه لتحصينه ، نص عليه ، ونقل أبو داود أنه سئل عن مسجد فيه خشبتان لهما ثمن تشعث وخافوا سقوطه أتباعان وينفق على المسجد ، ويبدل مكانهما جذعين ؟ قال : ما أرى به بأسا ، واحتج بدواب الحبس التي لا ينتفع بها تباع ويجعل ثمنها في الحبس ، قال في العيون : لا بأس بتغيير حجارة الكعبة إن عرض لها مرمة ، لأن كل عصر احتاجت فيه إليه قد فعل ، ولم يظهر نكير ولو تعيبت الآلة لم يجز ، كالحجر الأسود لا يجوز نقله ، ولا يقوم غيره مقامه ، ولا ينتقل النسك معه ، كآي القرآن لا يجوز نقلها عن سورة هي فيها ، لأنها لم توضع إلا بنص النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { ضعوها في سورة كذا } قال : وقال العلماء : مواضع الآي من كتاب الله كنفس الآي ، ولهذا حسم النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 624 ] مادة التغيير في إدخال الحجر إلى البيت ، ويكره نقل حجارتها عند عمارتها إلى غيرها ، كما لا يجوز صرف تراب المساجد لبناء في غيرها بطريق الأولى ، قال : ولا يجوز أن تعلى أبنيتها زيادة على ما وجد من علوها وأنه يكره الصك فيها وفي أبنيتها إلا بقدر الحاجة ويتوجه جواز البناء على قواعد إبراهيم عليه السلام ، لأن النبي عليه السلام لولا المعارض في زمنه لفعله ، كما في خبر عائشة ، قال ابن هبيرة فيه : يدل على جواز تأخير الصواب لأجل قالة الناس ، ورأى مالك والشافعي تركه أولى لئلا يصير ملعبة للملوك وكل وقف تعطل نفعه المطلوب منه بخراب أو غيره ولو بضيق مسجد ، نص عليه ، أو خربت محلته ، نقله عبد الله بيع ، ذكره جماعة . نقل جماعة : لا يباع إلا أن لا ينتفع منه بشيء لا يرد شيئا .

                                                                                                          وفي المغني : إلا أن يقل فلا يعد نفعا ، وقيل : أو أكثر نفعه ، نقله مهنا في فرس كبر وضعف أو ذهبت عينه ، فقلت : دار أو ضيعة ضعفوا أن يقوموا عليها ؟ قال : لا بأس ببيعها إذا كان أنفع لمن ينفق عليه منها ، وقيل : أو خيف تعطل نفعه ، جزم به في الرعاية ، وقيل : أو أكثره قريبا . سأله الميموني : يباع إذا عطب إذا فسد ؟ قال : إي والله يباع إذا كان يخاف عليه التلف والفساد ، والنقص . باعوه وردوه في مثله ، وسأله الشالنجي : إن أخذ من الوقف شيئا فعتق في يده [ ص: 625 ] وتغير عن حاله ، قال : يحول إلى مثله ، وكذا في التلخيص والترغيب والبلغة : لو أشرف على كسر أو هدم وعلم أنه لو أخر لم ينتفع به بيع ، وقولهم " بيع " أي يجوز نقله ، وذكره جماعة ، ويتوجه أن ما قالوه للاستثناء مما لا يجوز ، وإنما تجب لأن الولي يلزمه فعل المصلحة ، وهو ظاهر رواية الميموني وغيرها ، قال القاضي وأصحابه والشيخ : ولأنه استبقاء للوقف بمعناه ، فوجب كإيلاد أمة موقوفة أو قتلها وكذا قال شيخنا ، ومع الحاجة يجب بالمثل ، وبلا حاجة يجوز بخير منه ، لظهور المصلحة ، ولا يجوز بمثله ، لفوات التعيين بلا حاجة .

                                                                                                          وفي المغني : ولو أمكن بيع بعضه ليعمر به بقيته بيع ، وإلا بيع جميعه ، ولم أجده لأحد قبله ، والمراد مع اتحاد الواقف ، كالجهة ، ثم إن أراد عينين كدارين فظاهر ، وكذا عينا واحدة ولم تنقص القيمة بالتشقيص ، فإن نقصت توجه البيع في قياس المذهب كبيع وصي لدين أو حاجة صغير ، بل هذا أسهل ، لجواز تغيير صفاته لمصلحة وبيعه على قول ، ولو شرط عدمه بيع ، وشرطه إذن فاسد ، في المنصوص ، [ ص: 626 ] نقله حرب ، وعلله بأنه ضرورة ومنفعة لهم ، ويتوجه على تعليله لو شرط عدمه عند تعطله . ويليه حاكم ، وقيل : ناظره [ ص: 627 ] ومصرفه في مثله أو بعض مثله قال أحمد ، وقاله في التلخيص وغيره ، كجهته واقتصر في المغني على ظاهر الخرقي أو نفع غيره ، ونقل [ ص: 628 ] أبو داود في الحبيس : أو ينفق ثمنه على الدواب الحبس ويصير حكم المسجد للثاني فقط ، وعنه : لا يباع مسجد ، فتنقل آلته لمسجد [ آخر ] [ ص: 629 ] اختاره أبو محمد الجوزي ، وعنه : ولا يباع غيره ، اختاره الشريف وأبو الخطاب ، لكن ينقل إليه .

                                                                                                          [ ص: 626 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 626 ] فائدة جليلة . قوله : ويليه حاكم ، وقيل : ناظره ، انتهى ، ما قدمه المصنف جزم به الحلواني في التبصرة ، واختاره الحارثي في شرحه ، وقواه شيخنا البعلي في حواشي الفروع ، وهو كما قال ، واعلم أن الوقف حيث أجزنا بيعه وأردنا ، فمن يلي بيعه لا يخلو أن يكون على سبيل الخيرات ، كالمساجد والقناطر والمدارس والفقراء والمساكين ونحو من ذلك ، أو على غير ذلك ، فإن كان على سبيل الخيرات فالصحيح من المذهب أن الذي يلي بيعه الحاكم ، وعليه أكثر الأصحاب ، وقطع به كثير منهم ، منهم صاحب الرعاية في كتاب الوقف ، والحارثي ، والزركشي في كتاب الجهاد ، وقال : نص عليه ، وغيرهم ، وقدمه المصنف وغيره ، وقيل : يليه الناظر الخاص عليه إن كان ، جزم به في الرعاية الكبرى في كتاب البيع ( قلت ) : وهو قوي ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، وإن كان الوقف على غير ذلك فهل يليه الناظر الخاص أو الموقوف عليه أو الحاكم ؟ فيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                          ( أحدها ) يليه الناظر الخاص ، وهو الصحيح من المذهب ، قال الزركشي : إذا تعطل الوقف فإن الناظر فيه يبيعه ويشتري بثمنه ما فيه منفعة ترد على أهل الوقف ، نص عليه ، وعليه الأصحاب ، انتهى ، قال في الفائق : ويتولى البيع ناظره الخاص ، حكاه غير واحد ، انتهى . وجزم به في التلخيص والمحرر فقال : يبيعه الناظر فيه .

                                                                                                          وقال في التلخيص : يكون البائع الإمام أو نائبه ، نص عليه ، وكذلك المشتري بثمنه ، وهذا إذا لم يكن للوقف ناظر ، انتهى . وقدمه الناظم فقال : وناظره شرعا يلي عقد بيعه وقيل : إن تعين مالك النفع لعقد ، وقدمه في الرعاية الكبرى فقال : فلناظره [ ص: 627 ] الخاص بيعه ، ومع عدمه يفعل ذلك الموقوف عليه ، ( قلت ) : إن قلنا يملكه ، وإلا فلا ، وقيل : بل يفعله مطلقا الإمام أو نائبه كالوقف على سبيل الخيرات ، انتهى . وقدمه الحارثي وقال : حكاه غير واحد ، انتهى .

                                                                                                          ( والقول الثاني ) يليه الموقوف عليه . وهو ظاهر ما جزم به في الهداية فقال : فإن تعطلت منفعته فالموقوف عليه بالخيار بين النفقة عليه وبين بيعه وصرف ثمنه في مثله ، انتهى . وكذا قال ابن عقيل في الفصول ، وابن البناء في الخصال ، وابن الجوزي في المذهب ومسبوك الذهب ، والسامري في المستوعب ، وأبو المعالي بن المنجى في الخلاصة ، وابن أبي المجد في مصنفه ، وقدمه في الرعاية الصغرى فقال : وما تعطل نفعه فلمن وقف عليه بيعه ، ( قلت ) : إن ملكه ، وقيل : بل لناظره بيعه بشرط ، انتهى ، قدمه في الحاوي الصغير .

                                                                                                          ( والقول الثالث ) يليه الحاكم ، جزم به الحلواني في التبصرة فقال : وإذا خرب الوقف ولم يرد شيئا أو خرب المسجد وما حوله ولم ينتفع به فلإمام بيعه وصرف ثمنه في مثله انتهى ، وقدمه المصنف ، واختاره الحارثي في شرحه ، ونصره شيخنا في حواشيه ، وقواه بأدلة كثيرة ، وهو كما قال ، ولكن الأول أن الحاكم لا يستبد به دون ناظره الخاص ، والله أعلم ، وهذا ما حكمنا بأن المذهب خلاف ما قدمه المصنف ، فعلى المذهب لو عدم الناظر الخاص فقيل : يليه الحاكم ، جزم به صاحب التلخيص والحارثي ، وقدمه في الرعاية الكبرى في كتاب البيع ، وذكره نص أحمد ، وهو ظاهر ما قطع به المصنف ; وهو الصحيح من المذهب ، وقيل : يليه الموقوف عليه مطلقا ، قدمه في الرعاية الكبرى في كتاب الوقف ، وهو ظاهر ما قطع به [ ص: 628 ] الزركشي وحكاه عن الأصحاب ، ( قلت ) : وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب ، حيث أطلقوا أن الموقوف عليه يبيعه ، كما تقدم ، وأطلقهما في الفائق ، وقيل : يليه الموقوف عليه إن قلنا يملكه ، وإلا فلا ، اختاره في الرعايتين ، وجزم به في الفائق ( قلت ) : ولعله مراد من أطلق ، أعني أن محل القول بأنه يليه إذا قلنا يملكه ( تنبيه ) تلخص لنا مما تقدم طرق فيمن يلي البيع ، لأن الوقف لا يخلو إما أن يكون على سبيل الخيرات أو لا ، فإن كان الوقف عليها فللأصحاب طريقان :

                                                                                                          ( أحدهما ) يليه الحاكم ، قولا واحدا ، وهو قول الأكثر .

                                                                                                          ( والثاني ) يليه الناظر الخاص ، وهي طريقته في الرعاية الكبرى في كتاب البيع ، وهو ظاهر كلام جماعة كثيرة ، وإن كان على غير سبيل الخيرات ففيه طرق :

                                                                                                          ( أحدها ) يليه الناظر ، قولا واحدا ، وهي طريقة المجد في محرره ، والزركشي وعزاه إلى نص أحمد واختيار الأصحاب .

                                                                                                          ( الثاني ) يليه الموقوف عليه ، قولا واحدا ، وهو ظاهر ما قطع به في الهداية والفصول وعقود ابن البناء والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم .

                                                                                                          ( الثالث ) يليه الحاكم ، قولا واحدا ، وهي طريقة الحلواني في التبصرة .

                                                                                                          ( الرابع ) يليه الناظر الخاص إن كان ، فإن لم يكن فالحاكم ، قولا واحدا ، وهي طريقته في التلخيص .

                                                                                                          ( الخامس ) هل يليه الناظر الخاص وهو المقدم أو الموقوف عليه ؟ فيه وجهان . وهي طريقة الناظم [ ص: 629 ]

                                                                                                          ( السادس ) هل يليه الموقوف عليه وهو المقدم أو إن قلنا يملكه ؟ وهو المختار ، أو الناظر ؟ على ثلاثة أقوال ، وهو طريقة الرعاية الصغرى .

                                                                                                          ( السابع ) هل يليه الموقوف عليه وهو المقدم ؟ أو الناظر ؟ فيه وجهان ، وهي طريقته في الحاوي الصغير .

                                                                                                          ( الثامن ) طريقته في الرعاية الكبرى وهي : هل يليه الناظر الخاص إن كان وهو المقدم ؟ أو الحاكم ؟ حكاه في كتاب الوقف ، فيه قولان ، فإن لم يكن ناظر خاص فهل يليه الحاكم ؟ وهو المقدم في كتاب البيع وذكره نص أحمد ، أو الموقوف عليه ؟ وهو المقدم في كتاب الوقف أو إن قلنا يملكه ، واختاره ، فيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                          ( التاسع ) هل يليه الحاكم مطلقا ؟ ، وهو المقدم ، أو الموقوف عليه ؟ فيه وجهان ، وهي طريقة المصنف .

                                                                                                          ( العاشر ) يليه الناظر الخاص إن كان ، فإن لم يكن فهل يليه الحاكم ؟ أو الموقوف عليه إن قلنا يملكه ؟ على وجهين مطلقين ، وهي طريقة صاحب الفائق فهذه اثنتا عشرة طريقة ، ثنتان فيما هو على سبيل الخيرات ، وعشر في غيرها . وإنما أطلت في ذلك لحاجة الناس إليها وتقديم المصنف شيئا وإن كان قويا لكن المذهب خلافه والله أعلم




                                                                                                          الخدمات العلمية