الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب اليمين في الخدمة ( قال ) رضي الله تعالى عنه وإذا حلف الرجل لا يستخدم خادما قد كانت تخدمه قبل ذلك ولا نية له فجعلت الخادم تخدمه من غير أن يأمرها حنث ; لأنه يستخدمها باستدامة ملكه فيها فإنه إنما اشتراها للخدمة فما دام مستديما للملك فيها فهو دليل استخدامها ولأنها كانت تخدمه قبل اليمين باستخدام كان منه فإذا جعلت تخدمه على حالها ، ولم ينهها فهو مستخدم لها بما سبق منه حتى لو نهاها ثم خدمته لم يحنث ; لأنه بالنهي قد انقطع حكم الاستخدام [ ص: 12 ] السابق ولأن إدامة الملك دليل الاستخدام ، ولا معتبر بالفعل بعد التصريح بخلافه .

ولو حلف على خادم لا يملكها أن لا يستخدمها فخدمته بغير أمره لم يحنث لانعدام الاستخدام صريحا ودلالة فإنه ليس بمالك ليكون طالبا خدمتها باستدامة ذلك الملك أو ليجعل الاستخدام السابق باعتباره قائما ، وإن كان حلف أن لا تخدمه حنث ; لأنه عقد اليمين على فعل الخادم وقد تحقق منه ذلك سواء كان بأمره أو بغير أمره ، بخلاف الأول فإنه عقد اليمين على فعل نفسه ; لأن الاستخدام طلب الخدمة وكل شيء من عمل بيته فإنه خدمته ; لأن الإنسان إنما يتخذ الخادم لذلك ، وكذلك لو سألها وضوءا أو شرابا ، أو أشار ، أو أومأ إليها بذلك فقد استخدمها ; لأن الاستخدام بالإيماء والإشارة ظاهر ممن ترفع عن أن يخاطب خدمه بالكلام ، وكذلك لو حلف أن لا يستعين بها فأشار إليها بشيء من ذلك حنث إن أعانته أو لم تعنه ; لأن الاستعانة طلب الإعانة ، وقد تحقق منه إلا أن يكون نوى أن تفعله فلا يحنث حينئذ حتى تعينه ; لأن المقصود هو الإعانة دون الاستعانة ، فإذا ذكر السبب وعني به ما هو المقصود عملت نيته .

فإذا حلف لا يخدمه خادم فلان فجلس على مائدة مع قوم يطعمون ، وذلك الخادم يقوم في طعامهم وشرابهم حنث ; لأنه قد خدم كل واحد منهم فوجد به شرط الحنث في حق الحالف بدليل حديث أنس رضي الله عنه كن جواري عمر رضي الله عنه يخدمن الضيفان كاشفات الرءوس مضطربات الثدي .

وإن كان حلف أن لا يستخدمها لم يحنث ; لأنه عقد اليمين على فعل نفسه ولم يوجد منه حقيقة ولا حكما ; لأنها غير مملوكة له وسواء في ذلك إذا استخدم غلاما أو جارية صغيرا كان أو كبيرا ; لأن اسم الخادم يتناولهما والاستخدام يتحقق منهما وهو متعارف أيضا فلهذا حنث في ذلك كله ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .

التالي السابق


الخدمات العلمية