الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل

                                                                                                                                                                                                                                      قال ذلك بيني وبينك مبتدأ وخبر، أي: ذلك الذي قلته، وعاهدتني فيه، وشارطتني عليه، قائم وثابت بيننا جميعا لا يخرج عنه واحد منا، لا أنا عما شرطت علي، ولا أنت عما شرطت على نفسك. وقوله تعالى: أيما الأجلين أي: أكثرهما أو أقصرهما. قضيت أي: وفيتكه بأداء الخدمة فيه. فلا عدوان علي تصريح بالمراد، وتقرير لأمر الخيرة، أي: لا عدوان علي بطلب الزيادة على ما قضيته من الأجلين، وتعميم انتفاء العدوان لكلا الأجلين بصدد المشارطة مع عدم تحقق العدوان في أكثرهما رأسا للقصد إلى التسوية بينهما في الانتفاء، [ ص: 11 ] أي: كما لا أطالب بالزيادة على العشر، لا أطالب بالزيادة على الثماني. أو أيما الأجلين قضيت فلا إثم علي، يعني كما لا إثم علي في قضاء الأكثر، لا إثم علي في قضاء الأقصر فقط، وقرئ: (أي الأجلين ما قضيت) فـ "ما" مزيدة لتأكيد القضاء كما أنها في القراءة الأولى مزيدة لتأكيد إبهام، أي: وشياعها. وقرئ: (أيما) بسكون الياء، كقول من قال:


                                                                                                                                                                                                                                      تنظرت نصرا والسماكين أيهما ... علي من الغيث استهلت مواطره



                                                                                                                                                                                                                                      والله على ما نقول من الشروط الجارية بيننا وكيل شاهد وحافظ، فلا سبيل لأحد منا إلى الخروج عنه أصلا، وليس ما حكي عنهما عليهما الصلاة والسلام تمام ما جرى بينهما من الكلام في إنشاء عقد النكاح، وعقد الإجارة، وإيقاعهما، بل هو بيان لما عز ما عليه، واتفقا على إيقاعه، حسبما يتوقف عليه مساق القصة إجمالا من غير تعرض لبيان مواجب العقدين في تلك الشريعة تفصيلا. روي أنهما لما أتما العقد قال شعيب لموسى عليهما السلام: ادخل ذلك البيت، فخذ عصا من تلك العصي -وكانت عنده عصي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - فأخذ عصا هبط بها آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة، ولم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب عليه السلام فمسها، وكان مكفوفا فضن بها، فقال: خذ غيرها فما وقع في يده إلا هي سبع مرات، فعلم أن له شأنا، وقيل: أخذها جبريل عليه السلام بعد موت آدم عليه السلام، فكانت معه حتى لقي بها موسى عليه السلام ليلا، وقيل: أودعها شعيبا ملك في صورة رجل، فأمر بنته أن تأتيه بعصا، فأتته بها فردها سبع مرات فلم يقع في يدها غيرها فدفعها إليه، ثم ندم; لأنها وديعة فتبعه. فاختصما فيها، ورضيا أن يحكم بينها أول طالع فأتاهما الملك فقال: ألقياها فمن رفعها فهي له فعالجها الشيخ فلم يطقها، ورفعها موسى عليه السلام. وعن الحسن رضي الله تعالى عنه ما كانت إلا عصا من الشجر اعترضها اعتراضا. وعن الكلبي رحمه الله الشجرة التي منها نودي شجرة العوسج، ومنها كانت عصاه، ولما أصبح قال له شعيب صلوات الله وسلامه عليهما: إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك فإن الكلأ، وإن كان بها أكثر إلا أن فيها تنينا أخشاه عليك وعلى الغنم، فأخذت الغنم ذات اليمين فلم يقدر على كفها، ومشى على أثرها، فإذا عشب وريف لم ير مثله، فنام. فإذا بالتنين قد أقبل فحاربته العصا حتى قتلته، وعادت إلى جنب موسى عليه السلام دامية فلما أبصرها دامية، والتنين مقتولا ارتاح لذلك، ولما رجع إلى شعيب عليهما السلام مس الغنم فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن، فأخبره موسى عليه السلام بالشأن ففرح، وعلم أن لموسى والعصا شأنا. وقال له: إني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كل أدرع، ودعاه فأوحي إليه في المنام أن اضرب بعصاك مستقى الغنم ففعل، ثم سقى فما أخطأت واحدة إلا وضعت أدرع ودرعاء فوفى له بشرطه، و "الفاء" في قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية