الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ونريد أن نمن أي نتفضل على الذين استضعفوا في الأرض على الوجه المذكور بإنجائهم من بأسه، وصيغة المضارع في نريد لحكاية الحال الماضية وأما نمن فمستقبل بالنسبة للإرادة فلا حاجة لتأويله وهو معطوف على قوله تعالى: إن فرعون علا إلخ لتناسبهما في الوقوع في حيز التفسير للنبإ وهذا هو الظاهر.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن تكون الجملة حالا من مفعول يستضعف بتقدير مبتدأ أي يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم وقدر المبتدأ ليجوز التصدير بالواو، وجوز أن يكون حالا من الفاعل بتقدير المبتدأ أيضا، وخلوها عن العائد عليه وما يقوم مقامه لا يضر لأن الجملة الحالية إذا كانت اسمية يكفي في ربطها الواو وضعف بأنه لا شبهة في استهجان ذلك مع حذف المبتدأ، وتعقب القول بصحة الحالية مطلقا بأن الأصل في الحال المقارنة والمن بعد الاستضعاف بكثير، وأجيب بأن الحال ليس المن بل إرادته وهو مقارنة وتعلقها إنما هو بوقوع المن في الاستقبال فلا يلزم من مقارنتها مقارنته على أن من الله تعالى عليهم بالخلاص لما كان في شرف الوقوع جاز إجراؤه مجرى الواقع المقارن للاستضعاف وإذا جعلت الحال مقدرة يرتفع القيل والقال، وجوز بعضهم عطف ذلك على نتلو ونستضعف، وقال الزمخشري: هو غير سديد، ووجه ذلك في الكشف بقوله أما الأول فلما يلزم أن يكون خارجا عن المنبأ به وهو أعظمه وأهمه، وأما الثاني فلأنه إما حال عن ضمير جعل أو عن مفعوله أو صفة لشيعا أو كلام مستأنف وعلى الأولين ظاهر الامتناع وعلى الثالث أظهر إذ لا مدخل لذلك في الجواب عن السؤال الذي يعطيه قوله تعالى: (جعل أهلها شيعا) والعطف يقتضي الاشتراك لكن للعطف على يستضعف مساغ على تقدير الوصف والمعنى جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم ونريد أن نمن عليهم منهم أي على الطائفة من الشيع فأقيم المظهر مقام المضمر الراجع إلى الطائفة وحذف الراجع إلى الشيع للعلم كأنه قيل: يستضعفهم [ ص: 44 ] ونريد أن نقويهم كما زعم الزمخشري في الوجه الذي جعله حالا عن مفعول يستضعف والحاصل شيعا موصوفين باستضعاف طائفة وإرادة المن على تلك الطائفة منهم بدفع الضعف.

                                                                                                                                                                                                                                      "فإن قلت" يدفعه أن العلم بالصفة الثانية لم يكن حاصلا بخلاف الأولى قلنا: كذلك لم يكن حاصلا باستضعاف مقيد بحال الإرادة والحق أن الوجهين يضعفان لذلك وإنما أوردناه على الزمخشري لتجويزه الحال انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وأورد عليه أن للعطف عليه على تقدير كونه حالا مساغا أيضا بعين ما ذكره فلا وجه للتخصيص بالوصفية وأن عدم حصول العلم بالصفة الثانية بعد تسليم اشتراط العلم بالصفة مطلقا غير مسلم فإن سبب العلم بالأولى وهو الوحي أو خبر أهل الكتاب، يجوز أن يكون سببا للعلم بالثانية، وأيضا يجوز أن يخصص جواز حالية ونريد إلخ باحتمال الاستئناف والحالية في يستضعف دون الوصف فلا يكون مشترك الإلزام، وفيه أن احتمال الحالية من المفعول لم يذكره الزمخشري فلذا لم يلتفت صاحب الكشف إلى أن للعطف عليه مساغا وأن اشتراط العلم بالصفة مما صرح به في مواضع من الكشاف والكلام معه وأن العلم بصفة الاستضعاف لكونه مفسرا بالذبح والاستحياء وذلك معلوم بالمشاهدة وليس سبب العلم ما ذكر من الوحي أو خبر أهل الكتاب وفي هذا نظر، والإنصاف أن قوله تعالى: إن فرعون إلخ لا يظهر كونه بيانا لنبأ موسى عليه السلام وفرعون معا على شيء من الاحتمالات ظهوره على احتمال العطف على إن فرعون وإدخاله في حيز البيان وإلا فالظاهر من إن فرعون إلخ بدون هذا المعطوف أنه بيان لنبإ فرعون فقط فتأمل ونجعلهم أئمة مقتدى بهم في الدين والدنيا على ما في البحر، وقال مجاهد: دعاة إلى الخير. وقال قتادة: ولاة كقوله تعالى: وجعلكم ملوكا وقال الضحاك: أنبياء وأيا ما كان ففيه نسبة ما للبعض إلى الكل ونجعلهم الوارثين لجميع ما كان منتظما في سلك ملك فرعون وقومه على أكمل وجه كما يومئ إليه التعريف وذلك بأن لا ينازعهم أحد فيه

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية