الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 115 ] كتاب العارية

                                                                                                                                            قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وكل عارية مضمونة على المستعير وإن تلفت من غير فعله . استعار النبي - صلى الله عليه وسلم - من صفوان سلاحه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - عارية مضمونة مؤداة وقال من لا يضمن العارية فإن قلنا إذا اشترط المستعير الضمان ضمن قلت إذا تترك قولك قال وأين ؟ قلت ما تقول في الوديعة إذا اشترط المستودع ، أو المضارب الضمان أهو ضامن ؟ قال لا يكون ضامنا قلت فإن اشترط على المستسلف أنه غير ضامن أيبرأ ؟ قال لا قلت ويرد ما ليس بمضمون إلى أصله ، وما كان مضمونا إلى أصله ويبطل الشرط فيهما ؟ قال نعم قلت وكذلك ينبغي أن تقول في العارية وكذلك شرط النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يشترط أنها مضمونة لما لا يضمن قال فلم شرط ؟ قلت لجهالة صفوان به ؛ لأنه كان مشركا لا يعرف الحكم ولو عرفه ما ضره شرطه له قال فهل قال هذا أحد قلت في هذا كفاية ، وقد قال ابن عباس وأبو هريرة إن العارية مضمونة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأما العارية فهي عقد معونة وإرفاق جاء الشرع بها وندب الناس إليها قال الله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى [ المائدة : 2 ] ، والعارية من البر . قال تعالى : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس [ النساء : 114 ] . والعارية من المعروف وقال تعالى : ويمنعون الماعون [ الماعون : 7 ] .

                                                                                                                                            وروى ابن أبي النجود عن شقيق عن عمر بن مسعود - رضي الله عنه - قال كنا نعد الماعون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عارية الدلو ، والقدر . واختلف المفسرون في الماعون على خمس تأويلات أحدها ما قاله ابن مسعود ، والثاني أنه المعروف . وهذا هو قول محمد بن [ ص: 116 ] كعب القرظي ، والثالث أنه المال بلسان قريش وهذا قول ابن المسيب ، والزهري ، والرابع أنه الزكاة وهو قول علي وابن عمر - رضي الله عنهما - ومنه قول لبيد الراعي :


                                                                                                                                            قوم على الإسلام لما يمنعوا ماعونهم ويضيعوا التهليلا



                                                                                                                                            والخامس أنه المنافع وهو قول أبي جعفر الحميري استشهد عليه بقول أعشى بن ثعلبة :


                                                                                                                                            بأجود منه بماعونه     إذا ما سماؤهم لم تغم



                                                                                                                                            وروى إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم قال سمعت أبا أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : العارية مؤداة ، والمنحة مردودة ، والدين مقضي مضمون ، والزعيم غارم . وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة بقاع قرقر فتطأه بخفافها كلما مضت أخراها عادت عليه أولاها قيل فما حقها فما حق الإبل ؟ قال : يعطي الكريمة ويمنح العزيرة ويعقر الظهر ويطرق الفحل ويسقي اللبن . وروي أنه قال من حقها إعارة دلوها وإطراق فحلها ومنحة لبنها يوم وردها فدل ما ذكرناه من ذلك على إباحة العارية ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية