الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية

                                                                                                                                                                                                                                      الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 498 ] ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون اللام في لميقاتنا للاختصاص : أي كان مجيئه مختصا بالميقات المذكور بمعنى أنه جاء في الوقت الموعود وكلمه ربه أي أسمعه كلامه من غير واسطة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أرني أنظر إليك أي أرني نفسك أنظر إليك : أي سأله النظر إليه اشتياقا إلى رؤيته لما أسمعه كلامه .

                                                                                                                                                                                                                                      وسؤال موسى للرؤية يدل على أنها جائزة عنده في الجملة ، ولو كانت مستحيلة عنده لما سألها ، والجواب بقوله : لن تراني يفيد أنه لا يراه هذا الوقت الذي طلب رؤيته فيه ، أو أنه لا يرى ما دام الرائي حيا في دار الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما رؤيته في الآخرة فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواترا لا يخفى على من يعرف السنة المطهرة ، والجدال في مثل هذا والمراوغة لا تأتي بفائدة ، ومنهج الحق واضح ، ولكن الاعتقاد لمذهب نشأ الإنسان عليه وأدرك عليه آباءه وأهل بلده مع عدم التنبه لما هو المطلوب من العباد من هذه الشريعة المطهرة يوقع في التعصب .

                                                                                                                                                                                                                                      والمتعصب وإن كان بصره صحيحا فبصيرته عمياء وأذنه عن سماع الحق صماء ، يدفع الحق وهو يظن أنه ما دفع غير الباطل ، ويحسب أن ما نشأ عليه هو الحق غفلة منه وجهلا بما أوجبه الله عليه من النظر الصحيح وتلقي ما جاء به الكتاب والسنة بالإذعان والتسليم .

                                                                                                                                                                                                                                      وما أقل المنصفين بعد ظهوره هذه المذاهب في الأصول والفروع ، فإنه صار بها باب الحق مرتجا ، وطريق الإنصاف مستوعرة ، والأمر لله سبحانه ، والهداية منه :


                                                                                                                                                                                                                                      يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ومنهج الحق له واضح

                                                                                                                                                                                                                                      وجملة قال لن تراني مستأنفة لكونها جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل : فما قال الله له ؟ والاستدراك بقوله : ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني معناه أنك لا تثبت لرؤيتي ولا يثبت لها ما هو أعظم منك جرما وصلابة وقوة ، وهو الجبل فانظر إليه فإن استقر مكانه ولم يتزلزل عند رؤيتي له فسوف تراني وإن ضعف عن ذلك فأنت منه أضعف ، فهذا الكلام بمنزلة ضرب المثل لموسى عليه السلام بالجبل ، وقيل : هو من باب التعليق بالمحال ، وعلى تسليم هذا فهو في الرؤية في الدنيا لما قدمنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تمسك بهذه الآية كلا طائفتي المعتزلة والأشعرية : فالمعتزلة استدلوا بقوله : لن تراني ، وبأمره بأن ينظر إلى الجبل ، والأشعرية قالوا : إن تعليق الرؤية باستقرار الجبل يدل على أنها جائزة غير ممتنعة ، ولا يخفاك أن الرؤية الأخروية هي بمعزل عن هذا كله ، والخلاف بينهم هو فيها لا في الرؤية في الدنيا فقد كان الخلاف فيها في زمن الصحابة وكلامهم فيها معروف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا تجلى معناه : ظهر ، من قولك جلوت العروس : أي أبرزتها ، وجلوت السيف : أخلصته من الصدأ ، وتجلى الشيء : انكشف .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى : فلما ظهر ربه للجبل جعله دكا ، وقيل : المتجلي هو أمره وقدرته ، قاله قطرب وغيره ، والدك مصدر بمعنى المفعول : أي جعله مدكوكا مدقوقا فصار ترابا ، هذا على قراءة من قرأ " دكا " بالمصدر ، وهم أهل المدينة وأهل البصرة ، وأما على قراءة أهل الكوفة " جعله دكاء " على التأنيث ، والجمع دكاوات كحمراء وحمراوات ، وهي اسم للرابية الناشزة من الأرض أو للأرض المستوية ، فالمعنى : أن الجبل صار صغيرا كالرابية أو أرضا مستوية .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكسائي : الدك : الجبال العراض واحدها أدك ، والدكاوات جمع دكاء ، وهي رواب من طين ليست بالغلاظ ، والدكادك : ما التبد من الأرض فلم يرتفع ، وناقة دكاء : لا سنام لها وخر موسى صعقا أي مغشيا عليه مأخوذا من الصاعقة : والمعنى : أنه صار حاله لما غشي عليه كحال من يغشى عليه عند إصابة الصاعقة له .

                                                                                                                                                                                                                                      يقال : صعق الرجل فهو صعق ومصعوق : إذا أصابته الصاعقة فلما أفاق من غشيته قال سبحانك أي أنزهك تنزيها من أن أسأل شيئا لم تأذن لي به تبت إليك عن العود إلى مثل هذا السؤال .

                                                                                                                                                                                                                                      قال القرطبي : وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية فإن الأنبياء معصومون ، وقيل : هي توبة من قتله للقبطي ، ذكره القشيري ، ولا وجه له في مثل هذا المقام وأنا أول المؤمنين بك قبل قومي الموجودين في هذا العصر المعترفين بعظمتك وجلالك .

                                                                                                                                                                                                                                      وجملة قال يا موسى مستأنفة كالتي قبلها متضمنة لإكرام موسى واختصاصه بما اختصه الله به .

                                                                                                                                                                                                                                      والاصطفاء : الاجتباء والاختيار : أي اخترتك على الناس المعاصرين لك " برسالتي " كذا قرأ نافع وابن كثير بالإفراد ، وقرأ الباقون بالجمع .

                                                                                                                                                                                                                                      والرسالة مصدر ، والأصل فيه الإفراد ، ومن جمع فكأنه نظر إلى أن الرسالة هي على ضروب فجمع لاختلاف الأنواع ، والمراد بالكلام هنا : التكليم .

                                                                                                                                                                                                                                      امتن الله سبحانه عليه بهذين النوعين العظيمين من أنواع الإكرام ، وهما الرسالة والتكليم من غير واسطة ثم أمره بأن يأخذ ما آتاه : أي أعطاه من هذا الشرف الكريم ، وأمره بأن يكون من الشاكرين على هذا العطاء العظيم والإكرام الجليل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء من كل شيء : أي من كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل في دينهم ودنياهم ، وهذه الألواح : هي التوراة ، قيل : كانت من زمردة خضراء ، وقيل : من ياقوتة حمراء ، وقيل : من زبرجد ، وقيل : [ ص: 499 ] من صخرة صماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد اختلف في عدد الألواح وفي مقدار طولها وعرضها ، والألواح : جمع لوح ، وسمي لوحا لكونه تلوح فيه المعاني ، وأسند الله سبحانه الكتابة إلى نفسه تشريفا للمكتوب في الألواح ، وهي مكتوبة بأمره سبحانه ، وقيل : هي كتابة خلقها الله في الألواح ، و من كل شيء في محل نصب على أنه مفعول كتبنا و موعظة وتفصيلا بدل من محل كل شيء أي موعظة لمن يتعظ بها من بني إسرائيل وغيرهم وتفصيلا للأحكام المحتاجة إلى التفصيل فخذها بقوة أي خذ الألواح بقوة : أي بجد ونشاط وقيل : الضمير عائد إلى الرسالات ، أو إلى كل شيء ، أو إلى التوراة ، قيل : وهذا الأمر على إضمار القول : أي فقلنا له خذها ، وقيل : إن فخذها بدل من قوله : فخذ ما آتيتك وأمر قومك يأخذوا بأحسنها أي بأحسن ما فيها بما أجره أكثر من غيره ، وهو مثل قوله تعالى : اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ( الزمر : 55 ) ، وقوله : فيتبعون أحسنه ( الزمر : 18 ) ، ومن الأحسن الصبر على الغير ، والعفو عنه ، والعمل بالعزيمة دون الرخصة ، وبالفريضة دون النافلة ، وفعل المأمور به ، وترك المنهي عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : سأريكم دار الفاسقين قيل : هي أرض مصر التي كانت لفرعون وقومه وقيل : منازل عاد وثمود ، وقيل : هي جهنم ، وقيل : منازل الكفار من الجبابرة والعمالقة ليعتبروا بها ، وقيل : الدار : الهلاك .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى : سأوريكم هلاك الفاسقين ، وقد تقدم تحقيق معنى الفسق .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق قيل : معنى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون سأمنعهم فهم كتابي ، وقيل : سأصرفهم عن الإيمان بها ، وقيل : سأصرفهم عن نفعها مجازاة على تكبرهم كما في قوله : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( الصف : 5 ) ، وقيل : سأطبع على قلوبهم حتى لا يتفكروا فيها ولا يعتبروا بها .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف في تفسير الآيات فقيل : هي المعجزات ، وقيل : الكتب المنزلة ، وقيل : هي خلق السماوات والأرض ، وصرفهم عنها : أن لا يعتبروا بها ، ولا مانع من حمل الآيات على جميع ذلك حمل الصرف على جميع المعاني المذكورة و بغير الحق إما متعلق بقوله : يتكبرون أي يتكبرون بما ليس بحق ، أو بمحذوف وقع حالا : أي يتكبرون متلبسين بغير الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها معطوف على يتكبرون منتظم معه في حكم الصلة .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى سأصرف عن آياتي المتكبرين التاركين للإيمان بما يرونه من الآيات ، ويدخل تحت كل آية الآيات المنزلة ، والآيات التكوينية ، والمعجزات : أي لا يؤمنون بآية من الآيات كائنة ما كانت .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ مالك بن دينار يروا بضم الياء في الموضعين ، وجملة وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا معطوفة على ما قبلها داخلة في حكمها ، وكذلك جملة وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا والمعنى : أنهم إذا وجدوا سبيلا من سبل الرشد تركوه وتجنبوه ، وإن رأوا سبيلا من سبل الغي سلكوه واختاروه لأنفسهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ أهل المدينة وأهل البصرة " الرشد " بضم الراء وإسكان الشين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما بفتح الراء والشين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو عبيدة : فرق أبو عمرو بين الرشد والرشد فقال : الرشد الصلاح ، والرشد في الدين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال النحاس : سيبويه يذهب إلى أن الرشد والرشد كالسخط والسخط .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكسائي : والصحيح عن أبي عمرو وغيره ما قال أبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل الرشد في اللغة : أن يظفر الإنسان بما يريد ، وهو ضد الخيبة ، والإشارة بقوله : ذلك إلى الصرف : أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم ، أو الإشارة إلى التكبر وعدم الإيمان بالآيات ، وتجنب سبيل الرشد ، وسلوك سبيل الغي ، واسم الإشارة مبتدأ ، وخبره جملة بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين أي بسبب تكذيبهم بالآيات وغفلتهم عنها .

                                                                                                                                                                                                                                      والموصول في والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة مبتدأ ، وخبره حبطت أعمالهم ، والمراد بلقاء الآخرة : لقاء الدار الآخرة : أي لقائهم لها أو لقائهم ما وعدوا به فيها على أن الإضافة إلى الظرف .

                                                                                                                                                                                                                                      وحباط الأعمال بطلانها : أي بطلان ما عملوه مما صورته صورة الطاعة ، كالصدقة والصلة ، وإن كانوا في حال كفرهم لا طاعات لهم ، ويحتمل أن يراد أن تبطل بعدما كانت مرجوة النفع على تقدير إسلامهم لما في الحديث الصحيح : أسلمت على ما أسلفت من خير .

                                                                                                                                                                                                                                      هل يجزون إلا ما كانوا يعملون من الكفر بالله ، والتكذيب بآياته ، وتنكب سبيل الحق ، وسلوك سبيل الغي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أخرج الحكيم الترمذي ، في نوادر الأصول عن كعب قال : لما كلم الله موسى قال : يا رب أهكذا كلامك ؟ قال : يا موسى إنما أكلمك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها ، ولو كلمتك بكنه كلامي لم تك شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار ، وابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات من حديث جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لما كلم الله موسى يوم الطور كلمه بغير الكلام الذي كلمه به يوم ناداه فقال له موسى : يا رب أهذا كلامك الذي كلمتني به ؟ قال : يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها وأقوى من ذلك ، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا : يا موسى صف لنا كلام الرحمن ، فقال : لا تستطيعونه ، ألم تروا إلى أصوات الصواعق التي تقتل ، في أحلى حلاوة سمعتموه فذاك قريب منه وليس به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال : إنما كلم الله موسى بقدر ما يطيق من كلامه ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شيء ، فمكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله : قال رب أرني أنظر إليك يقول : أعطني أنظر إليك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة ، في الآية قال : لما سمع الكلام طمع في الرؤية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال : حين قال موسى لربه تبارك وتعالى : [ ص: 500 ] رب أرني أنظر إليك قال الله : يا موسى إنك لن تراني ، قال : يقول : ليس تراني ولا يكون ذلك أبدا ، يا موسى إنه لن يراني أحد فيحيا ، قال موسى : رب إني أراك ثم أموت أحب إلي من أن لا أراك ثم أحيا ، فقال الله لموسى : يا موسى انظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد فإن استقر مكانه يقول : فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ولم ينهد لبعض ما يرى من عظمتي فسوف تراني أنت لضعفك وذلتك ، وإن الجبل انهد بقوته وشدته وعظمته فأنت أضعف وأذل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وصححه وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه وابن مردويه ، والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك : أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قرأ هذه الآية فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال : هكذا ، وأشار بأصبعيه ووضع إبهاميه على أنملة الخنصر ، وفي لفظ على المفصل الأعلى من الخنصر ، فساخ الجبل وخر موسى صعقا .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي لفظ : فساخ الجبل في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الحديث حديث صحيح على شرط مسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال : الجبل الذي أمره الله أن ينظر إليه الطور .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في كتاب الرؤية عن ابن عباس : فلما تجلى ربه للجبل قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر جعله دكا قال : ترابا وخر موسى صعقا قال : مغشيا عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية والديلمي عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بالمدينة ، وثلاثة بمكة ، بالمدينة : أحد وورقان ورضوى ، وبمكة : حراء وثبير وثور .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : لما تجلى الله لموسى تطايرت سبعة أجبل ، ففي الحجاز خمسة منها ، وفي اليمن اثنان ، في الحجاز : أحد وثبير وحراء وثور وورقان ، وفي اليمن : حضور وصبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن موسى لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فسأله فقال : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل قال : فحف حول الجبل الملائكة ، وحف حول الملائكة بنار ، وحف حول النار بملائكة ، وحف حولهم بنار ، ثم تجلى ربه للجبل تجلى منه مثل الخنصر ، فجعل الجبل دكا وخر موسى صعقا ، فلم يزل صعقا ما شاء الله ، ثم أفاق فقال : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين من بني إسرائيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن علي بن أبي طالب قال : كتب الله الألواح لموسى ، وهو يسمع صريف الأقلام في لوح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة كان طول اللوح اثني عشر ذراعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير ، قال : كانوا يقولون كانت الألواح من ياقوتة ، وأنا أقول : إنما كانت من زمرد وكتابها الذهب ، كتبها الله بيده ، فسمع أهل السماوات صريف الأقلام .

                                                                                                                                                                                                                                      أقول : رحم الله سعيدا ما كان أغناه عن هذا الذي قاله من جهة نفسه ، فمثله لا يقال بالرأي ولا بالحدس ، والذي يغلب به الظن أن كثيرا من السلف رحمهم الله كانوا يسألون اليهود عن هذه الأمور ، فلهذا اختلفت واضطربت ، فهذا يقول من خشب ، وهذا يقول من ياقوت ، وهذا يقول من زمرد ، وهذا يقول من زبرجد ، وهذا يقول من برد ، وهذا يقول من حجر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن السدي ، وكتبنا له في الألواح من كل شيء كل شيء أمروا به ونهوا عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد اختلف السلف في المكتوب في الألواح اختلافا كثيرا ، ولا مانع من حمل المكتوب على جميع ذلك لعدم التنافي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، فخذها بقوة قال : بجد وحزم سأوريكم دار الفاسقين قال : دار الكفار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عنه وأمر قومك يأخذوا بأحسنها قال : أمر موسى أن يأخذها بأشد مما أمر به قومه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس فخذها بقوة قال : بطاعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السدي ، في قوله : فخذها بقوة يعني بجد واجتهاد وأمر قومك يأخذوا بأحسنها قال : بأحسن ما يجدون منها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد سأوريكم دار الفاسقين قال : مصيرهم في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ، قال : منازلهم في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن قال : جهنم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن قتادة ، قال : مصر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السدي ، في قوله : سأصرف عن آياتي قال : عن أن يتفكروا في آياتي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج عن آياتي قال : عن خلق السماوات والأرض والآيات التي فيها سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها أو يعتبروا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن سفيان بن عيينة في الآية قال : أنزع عنهم فهم القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية