الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  66 [ ص: 31 ] باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الكلام فيه على نوعين ; الأول : أن التقدير هذا باب في بيان شأن من قعد ... إلى آخره ، وهو مرفوع على الخبرية مضاف إلى " من " وهي موصولة ، وقعد جملة الفعل والفاعل صلتها ، وحيث ظرف للمكان منصوب على الظرفية محلا وبني على الضم تشبيها بالغايات ، ومن العرب من يعربه .

                                                                                                                                                                                  قوله " المجلس " مرفوع بقوله " ينتهي " .

                                                                                                                                                                                  قوله " ومن رأى " عطف على " من قعد " ، والفرجة بضم الفاء وفتحها - لغتان ، وهي الخلل بين الشيئين ; قاله النووي . وقال النحاس : الفرجة بالفتح في الأمر ، والفرجة بالضم فيما يرى من الحائط ونحوه . وفي العباب : الفرجة بالكسر والفرجة بالضم لغتان في فرجة الهم . وقال أيضا : الفرجة - يعني بالفتح - التفصي من الهم . وقال الأزهري : الفرجة الراحة من الغم - وذكر فيها فتح الفاء وضمها وكسرها ، وقد فرج له في الحلقة والصف ونحو ذلك بفتح العين يفرج بضمها ، ولم يذكر الجوهري في الفرجة بين الشيئين غير الضم ، وفي التفصي من الهم غير الفتح ، وأنشد عليه :


                                                                                                                                                                                  ربما تكره النفوس من الأمـ ـر له فرجة كحل العقال

                                                                                                                                                                                  والحلقة هنا بإسكان اللام ، وحكى الجوهري فتحها ، والأول أشهر . وفي العباب : الحلقة بالتسكين الدروع ، وكذلك حلقة الباب وحلقة القوم ، والجمع الحلق على غير قياس . وقال الأصمعي : الجمع الحلق ، مثال بدرة وبدر وقصعة وقصع ، ونهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الحلق قبل الصلاة - يعني صلاة الجمعة ; نهاهم عن التحليق والاجتماع على مذاكرة العلم قبل الصلاة . وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء حلقة في الواحد بالتحريك والجمع حلق وحلقات ، وقال ثعلب : كلهم يجيز ذلك على ضعف . وقال الفراء في نوادره : الحلقة بكسر اللام لغة للحارث بن كعب في الحلقة والحلقة . وقال ابن السكيت : سمعت أبا عمرو الشيباني يقول : ليس في كلام العرب حلقة بالتحريك إلا في قولهم هؤلاء حلقة للذين يحلقون الشعر ، جمع حالق .

                                                                                                                                                                                  الثاني : وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول فيه ذكر المناولة ، وهي تكون في مجلس العلم ، وهذا الباب في بيان شأن من يأتي إلى المجلس كيف يقعد ، والمراد منه مجلس العلم . وقال بعضهم : مناسبة هذا الباب لكتاب العلم من جهة أن المراد بالحلقة حلقة العلم ، فيدخل في آداب الطالب من هذا الوجه . قلت : هذا القائل أخذ هذا من كلام الكرماني ، ومع هذا فليس هذا بيان وجه المناسبة بين البابين ، وإنما هو بيان وجه مناسبة إدخال هذا الباب في كتاب العلم ، وليس القوة إلا في بيان وجوه المناسبة بين الأبواب المذكورة في كتب هذا الكتاب . وقال الشيخ قطب الدين : هذا الباب حقه أن يأتي عقب باب من رفع صوته بالعلم أو عقب باب طرح المسألة ; لأن كليهما من آداب العالم ، وهذا الباب من آداب المتعلم ، وما بعد هذا الباب يناسب الباب الذي قبله وهو قوله " باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : رب مبلغ أوعى من سامع " ; لأن فيه معنى التحمل عن غير العارف وغير الفقيه . قلت : الذي ذكرناه أنسب ; لأن الباب السابق في بيان مناولة العالم في مجلس علمه وهذا الباب في بيان أدب من يحضر هذا المجلس كما ذكرناه .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية