الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون

                                                                                                                                                                                                                                      وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أي: وقت ندائنا موسى إني أنا الله رب العالمين واستنبائنا إياه، وإرسالنا له إلى فرعون . ولكن رحمة من ربك أي: ولكن أرسلناك بالقرآن الناطق بما ذكر وبغيره لرحمة عظيمة كائنة منا لك وللناس، وقيل: علمناك، وقيل: عرفناك ذلك، وليس بذاك كما ستعرفه. والالتفات إلى اسم الرب للإشعار بعلة الرحمة، وتشريفه صلى الله عليه وسلم بالإضافة وقد اكتفي عن ذكر المستدرك ههنا بذكر ما يوجبه من جهته تعالى، كما اكتفى عنه في الأول بذكر ما يوجبه من جهة الناس، وصرح به فيما بينهما تنصيصا على ما هو المقصود، وإشعارا بأنه المراد فيهما أيضا، ولله در شأن التنزيل، وقوله تعالى: لتنذر قوما متعلق بالفعل المعلل بالرحمة فهو ما ذكرنا من إرساله صلى الله عليه وسلم بالقرآن حتما لما أنه المعلل بالإنذار لا تعليم ما ذكر، وقرئ: (رحمة) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقوله تعالى: ما أتاهم من نذير من قبلك صفة لقوما، أي: لم يأتهم نذير لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى ، وهي خمسمائة وخمسون سنة، أو بينك وبين إسماعيل بناء على أن دعوة موسى وعيسى عليهما السلام كانت مختصة ببني إسرائيل. لعلهم يتذكرون أي: يتعظون بإنذارك، وتغيير الترتيب الوقوعي بين [ ص: 17 ] قضاء الأمر، والثواء في أهل مدين. والنداء للتنبيه على أن كلا من ذلك برهان مستقل على أن حكايته صلى الله عليه وسلم للقصة بطريق الوحي الإلهي، ولو ذكر أولا نفي ثوائه صلى الله عليه وسلم من أهل مدين، ثم نفي حضوره صلى الله عليه وسلم عند النداء، ثم نفي حضوره عند قضاء الأمر كما هو الموافق للترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل دليل واحد على ما ذكر كما مر في سورة البقرة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية