الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 374 ] ( 3 ) باب الوصية في التدبير

                                                                                                                        1519 - قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا ، أن كل عتاقة أعتقها رجل ، في وصية أوصى بها في صحة أو مرض أنه يردها متى شاء ، ويغيرها متى شاء ، ما لم يكن تدبيرا ، فإذا دبر ، فلا سبيل له إلى رد ما دبر . قال مالك : وكل ولد ولدته أمة ، أوصى بعتقها ولم تدبر ، فإن ولدها لا يعتقون معها إذا عتقت ، وذلك أن سيدها يغير وصيته إن شاء ، ويردها متى شاء ، ولم يثبت لها عتاقة ، وأنها هي بمنزلة رجل قال لجاريته : إن بقيت عندي فلانة حتى أموت فهي حرة .

                                                                                                                        قال مالك : فإن أدركت ذلك ، كان لها ذلك ، إن شاء قبل ذلك باعها وولدها ، لأنه لم يدخل ولدها في شيء مما جعل لها .

                                                                                                                        قال : والوصية في العتاقة مخالفة للتدبير ، فرق بين ذلك ما مضى من السنة .

                                                                                                                        قال : ولو كانت الوصية بمنزلة التدبير ، كان كل موص لا يقدر على تغيير وصيته ، وما ذكر فيها من العتاقة ، وكان قد حبس عليه من ماله ما لا يستطيع أن ينتفع به

                                                                                                                        [ ص: 375 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 375 ] 34986 - قال أبو عمر : لا خلاف بين العلماء - فيما علمت - أن الوصية ليست كالتدبير إلا من جعل المدبر وصية أجرى للمدبر الرجوع فيما دبر كالرجوع في الوصية ; فمن قال بهذا رأى التدبير كالوصية فمن أهل العلم من يقول : المدبر وصية .

                                                                                                                        34987 - وليس منهم أحد يقول : إن الوصية تدبير ، وكل من قال : ليس المدبر وصية ، لم يجز بيع المدبر ، ولا الرجوع فيه .

                                                                                                                        34988 - وسنذكر في باب : بيع المدبر ، من رأى بيعه ، ورآه وصية ، ومن لم ير ذلك ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                        34989 - وقد اختلفوا في لفظ التدبير .

                                                                                                                        34990 - فقال مالك : إذا قال وهو صحيح : أنت حر بعد موتي ، فإن كان أراد وجه الوصية ، فالقول قوله ، ويجوز بيعه ، وإن أراد التدبير ، منع من بيعه .

                                                                                                                        34991 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا قال لعبده : إن مت ، فأنت حر ، فهو مدبر ، لا يجوز بيعه .

                                                                                                                        34992 - وهو قول الثوري .

                                                                                                                        34993 - قالوا : وإن قال : إن مت من مرضي هذا فأنت حر جاز

                                                                                                                        [ ص: 376 ] بيعه ، وإن مات من مرضه ، فهو حر .

                                                                                                                        34994 - قال أبو عمر : لم يختلفوا أنه قال : إن قدمت من سفري ، أو مت من مرضي ، فأنت حر ، فليس بمدبر .

                                                                                                                        34995 - واختلف ابن القاسم ، وأشهب ، في من قال لعبده : أنت حر بعد موتي ، ولم يتبين ، هل أراد بقوله ذلك وصية ، أو تدبيرا ، حتى مات :

                                                                                                                        34996 - فقال ابن القاسم : هو على الوصية حتى يتبين التدبير .

                                                                                                                        34997 - وقال أشهب : إن كان ذلك ، في غير حين إحداث وصية لا سفر ، ولا لما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( ( لا ينبغي لأحد أن يبيت ليلتين ، إلا ووصيته عنده مكتوبة ) ) . فهو تدبير .

                                                                                                                        34998 - وقال الشافعي : إذا قال لعبده : أنت مدبر ، أو : أنت عتيق ، أو : حر بعد موتي ، أو : حين مت ، أو : متى دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فهذا كله تدبير يخرج من الثلث ، ويرجع صاحبه في ما شاء منه ، ويبيعه متى شاء ، فهو وصية ، والمدبر عنده وصية ، يرجع فيه كما يرجع في سائر الوصايا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية