الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أظهر سبحانه سوط العذاب بيد القدرة ، دل على وطأ العدل بثمرة الغنى ، ولكونه في سياق الرحمة بالإرسال عبر بالربوبية فقال : وما كان [أي : ] كونا ما ربك أي : المحسن إليك بالإحسان بإرسالك إلى الناس مهلك القرى أي : هذا الجنس كله بجرم وإن عظم حتى يبعث في أمها أي : أعظمها وأشرفها ، لأن غيرها تبع لها ، ولم يشترط كونه من أمها فقد كان عيسى عليه الصلاة والسلام من الناصرة ، وبعث في بيت المقدس رسولا يتلو عليهم أي : أهل القرى كلهم آياتنا الدالة -بما لها من الجري على مناهيج العقول- على ما ينبغي لنا من الحكمة ، وبما لها من الإعجاز - على تفرد الكلمة- وباهر العظمة ، إلزاما للحجة ، وقطعا للمعذرة ، لئلا يقولوا ربنا لولا أرسلت [ ص: 330 ] إلينا رسولا ولذلك لما أردنا عموم الخلق بالرسالة جعلنا الرسول من أم القرى كلها ، وهي مكة البلد الحرام ، وفيها لأنها مع كونها مدينة تجري فيها الأمور على قانون الحكمة [هي] في بلاد البوادي تظهر فيها الكلمة ، فجمعت الأمرين لأن المرسل إليها جامع ، وجازت الأثرين لأن الختام به واقع ، وكان السر في جعل المؤيد لدينه عيسى عليهما الصلاة والسلام من البادية كثرة ظهور الكلمة على يديه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما غيا الإهلاك بالإرسال تخويفا ، ضرب له غاية أخرى تحريرا للأمر وتعريفا ، ولكونه في سياق التجرؤ من أهل الضلال ، على مقامه العال ، بانتهاك الحرمات ، عبر بأداة العظمة فقال : وما كنا أي : بعظمتنا وغنانا مهلكي القرى أي : كلها ، بعد الإرسال إلا وأهلها ظالمون أي : عريقون في الظلم بالعصيان ، بترك ثمرات الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية