الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف لذلك أن يقتلون بمقابلتها، والمراد بهذا الخبر طلب الحفظ والتأييد لإبلاغ الرسالة على أكمل وجه لا الاستعفاء من الإرسال، وزعمت اليهود أنه عليه السلام استعفى ربه سبحانه من ذلك. وفي التوراة التي بأيديهم اليوم أنه قال: يا رب ابعث من أنت باعثه وأكد طلب التأييد بقوله: وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا أي عونا كما روي عن قتادة وإليه ذهب أبو عبيدة وقال: يقال: ردأته على عدوه أعنته. وقال أبو حيان: الردء المعين الذي يشتد به الأمر فعل بمعنى مفعول فهو اسم لما يعان به كما أن الدفء اسم لما يتدفأ به قال سلامة بن جندل:


                                                                                                                                                                                                                                      وردئي كل أبيض مشرفي شديد الحد عضب ذي فلول



                                                                                                                                                                                                                                      ويقال: ردأت الحائط أردؤه إذا دعمته بخشبة لئلا يسقط. وفي قوله: أفصح مني دلالة على أن فيه عليه السلام فصاحة ولكن فصاحة أخيه أزيد من فصاحته، وقرأ أبو جعفر ونافع والمدنيان ردا بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الدال، والمشهور عن أبي جعفر أنه قرأ بالنقل ولا همز ولا تنوين. ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف. وجوز في ردا على قراءة التخفيف كونه منقوصا بمعنى زيادة من رديت عليه إذا زدت يصدقني أي يلخص بلسانه الحق ويبسط القول فيه ويجادل به الكفار، فالتصديق مجاز عن التلخيص المذكور الجالب للتصديق لأنه كالشاهد لقوله، وإسناده إلى هارون حقيقة، ويرشد إلى ذلك وأخي هارون إلخ لأن فضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لمثل ما ذكر لا لقوله صدقت أو أخي موسى صادق فإن سحبان وباقلا فيه سواء، أو يصل جناح كلامي بالبيان حتى يصدقني القوم الذين أخاف تكذيبهم فالتصديق على حقيقته وإنما أسند إلى هارون عليه السلام لأنه ببيانه جلب تصديق القوم، ويؤيد هذا قوله: إني أخاف أن يكذبون لدلالته على أن التصديق على الحقيقة، وقيل: تصديق الغير بمعنى إظهار صدقه، وهو كما يكون بقول: هو صادق يكون بتأييده بالحجج ونحوها كتصديق الله تعالى للأنبياء عليهم السلام بالمعجزات، والمراد به هنا ما يكون بالتأييد بالحجج، فالمعنى يظهر صدقي بتقرير الحجج وتزييف الشبه إني أخاف أن يكذبون ولساني لا يطاوعني عند المحاجة، وعليه لا حاجة إلى ادعاء التجوز في الطرف أو في الإسناد. وتعقب بأنه لا يخفى أن صدقه معناه إما قال: إنه صادق أو قال له: صدقت، فإطلاقه على غيره الظاهر أنه مجاز، وجملة [ ص: 78 ] يصدقني تحتمل أن تكون صفة لـ ردءا، وأن تكون حالا، وأن تكون استئنافا. وقرأ أكثر السبعة «يصدقني» بالجزم على أنه جواب الأمر.

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم بعضهم أن الجواب على قراءة الرفع محذوف، ويرد عليه أن الأمر لا يلزم أن يكون له جواب فلا حاجة إلى دعوى الحذف، وقرأ أبي، وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم «يصدقوني» بضمير الجمع وهو عائد على فرعون وملئه لا على هارون والجمع للتعظيم كما قيل، والفعل على ما نقل عن ابن خالويه مجزوم فقد جعل هذه القراءة شاهدا لمن جزم من السبعة يصدقني وقال: لأنه لو كان رفعا لقيل: يصدقونني، وذكر أبو حيان بعد نقله أن الجزم على جواب الأمر والمعنى في يصدقون أرج تصديقهم إياي فتأمل

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية