الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب تحريم وطء الحائض في الفرج وما يباح منها

                                                                                                                                            378 - ( عن أنس بن مالك : { أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله - عز وجل - { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } إلى آخر الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اصنعوا كل شيء إلا النكاح } وفي لفظ " إلا الجماع " رواه الجماعة إلا البخاري )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( فسأل ) السائل عن ذلك أسيد بن حضير وعباد بن بشر ، وقيل : إن السائل عن ذلك هو أبو الدحداح قاله الواقدي ، والصواب الأول كما في الصحيح . والحديث يدل على حكمين : تحريم النكاح ، وجواز ما سواه . أما الأول فبإجماع المسلمين وبنص القرآن العزيز والسنة الصريحة ومستحله كافر ، وغير المستحل إن كان ناسيا أو جاهلا لوجود الحيض أو جاهلا لتحريمه أو مكرها فلا إثم عليه ولا كفارة ، إن وطئها عامدا عالما بالحيض والتحريم مختارا فقد ارتكب معصية كبيرة نص على كبرها الشافعي ، ويجب عليه التوبة ، وسيأتي الخلاف في وجوب الكفارة . وأما الثاني : أعني جواز ما سواه فهو قسمان : القسم الأول : المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو القبلة أو المعانقة أو غير ذلك ، وذلك حلال باتفاق العلماء ، وقد نقل الإجماع على الجواز جماعة .

                                                                                                                                            وقد حكي عن عبيدة السلماني وغيره أنه لا يباشر شيئا منها بشيء منه ، وهو كما قال النووي غير معروف ولا مقبول ، ولو صح لكان مردودا بالأحاديث الصحيحة وبإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده . القسم الثاني : فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر ، وفيها ثلاثة وجوه لأصحاب الشافعي : الأشهر منها التحريم . والثاني عدم التحريم مع الكراهة . [ ص: 344 ] والثالث : إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج إما لشدة ورع أو لضعف شهوة جاز وإلا لم يجز ; وقد ذهب إلى الوجه الأول مالك وأبو حنيفة ، وهو قول أكثر العلماء منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة ، وممن ذهب إلى الجواز : عكرمة ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، والحاكم والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، ومحمد بن الحسن ، وأصبغ ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور وابن المنذر وداود . وحديث الباب يدل على الجواز لتصريحه بتحليل كل شيء ما عدا النكاح ، فالقول بالتحريم سد للذريعة لما كان الحوم حول الحمى مظنة للوقوع فيه ، لما ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير مرفوعا بلفظ : { من رتع حول الحمى يوشك أن يواقعه } وله ألفاظ عندهما ، وعند غيرهما ، ويشير إلى هذا حديث { لك ما فوق الإزار } .

                                                                                                                                            وحديث عائشة الآتي لما فيه من الأمر للمباشرة بأن تأتزر . وقولها في رواية لهما ( وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه ) .

                                                                                                                                            379 - ( وعن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها شيئا } رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            380 - ( وعن مسروق بن أجدع قال : سألت عائشة رضي الله عنها : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قالت : كل شيء إلا الفرج رواه البخاري في تاريخه ) .

                                                                                                                                            381 - ( وعن حزام بن حكيم عن عمه { أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يحل من امرأتي وهي حائض ؟ قال : لك ما فوق الإزار } رواه أبو داود ، قلت عمه هو عبد الله بن سعد ) . حديث عكرمة إسناده في سنن أبي داود هكذا : حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة فذكره ، ورجال إسناده ثقات محتج بهم في الصحيح ، وقد سكت عنه أبو داود والمنذري ، وقد قال ابن الصلاح والنووي وغيرهما : إنه يجوز الاحتجاج بما سكت عنه أبو داود ، وصرح أبو داود نفسه أنه لا يسكت إلا عن الحديث الصالح للاحتجاج ، ويشهد له حديث الأمر بالاتزار ، وحديث { لك ما فوق الإزار } وأما حديث مسروق عن عائشة فهو مثل حديث أنس بن مالك السابق المتفق عليه . وأما حديث حزام بن حكيم فأورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه ، وإسناده في سنن أبي داود [ ص: 345 ] فيه صدوقان وبقيته ثقات . وقد روى أبو داود من حديث معاذ بن جبل نحوه وقال : ليس بالقوي ، وفي إسناده بقية عن سعيد بن عبد الله الأغطش . ورواه الطبراني من رواية إسماعيل بن عياش عن سعيد بن عبد الله الخزاعي ، فإن كان هو الأغطش فقد توبع بقية ، وبقيت جهالة حال سعيد . قال الحافظ : لا نعرف أحدا وثقه ، وأيضا عبد الرحمن بن عائذ راويه عن معاذ ، قال أبو حاتم : روايته عن علي مرسلة ، وإذا كان كذلك فعن معاذ أشد إرسالا .

                                                                                                                                            والحديث الأول يدل على جواز الاستمتاع من غير تخصيص بمحل دون محل من سائر البدن غير الفرج لكن مع وضع شيء على الفرج يكون حائلا بينه وبين ما يتصل به من الرجل . والحديث الثاني يدل على جواز الاستمتاع بما عدا الفرج .

                                                                                                                                            والحديث الثالث يدل على جواز الاستمتاع بما فوق الإزار من الحائض وعدم جوازه بما عداه ، فمن أجاز التخصيص بمثل هذا المفهوم خصص به عموم كل شيء المذكور في حديث أنس وعائشة ; ومن لم يجوز التخصيص به فهو لا يعارض المنطوق الدال على الجواز ، والخلاف في جوازه وعدمه قد سبق في أول الباب .

                                                                                                                                            382 - ( وعن عائشة قالت : { كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها ، أمرها أن تأتزر بإزار في فور حيضتها ثم يباشرها } متفق عليه . قال الخطابي : فور الحيض : أوله ومعظمه ) . قوله : ( أن يباشرها ) المراد بالمباشرة هنا : التقاء البشرتين لا الجماع . قوله : ( أن تأتزر ) في رواية للبخاري ( تتزر ) قال في الفتح : والأولى أفصح ، والمراد بالاتزار : أن تشد إزارا تستر به سرتها وما تحتها إلى الركبة .

                                                                                                                                            قوله : ( في فور حيضتها ) هو بفتح الفاء وإسكان الواو . ومعناه كما قال الخطابي كما ذكر المصنف . وقال القرطبي : فور الحيضة : معظم صبها من فوران القدر وغليانها ، والكلام على فقه الحديث قد تقدم . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية