الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون .

انتصب ( سنة الله ) على النيابة عن المفعول المطلق لأن سنة اسم مصدر السن ، وهو آت بدلا من فعله ، والتقدير : سن الله ذلك سنة ، فالجملة مستأنفة استئنافا بيانيا جوابا لسؤال من يسأل لماذا لم ينفعهم الإيمان وقد آمنوا ، فالجواب أن ذلك تقدير قدره الله للأمم السالفة أعلمهم به وشرطه عليهم فهي قديمة في عباده لا ينفع الكافر الإيمان إلا قبل ظهور البأس ولم يستثن من ذلك إلا قوم يونس قال تعالى فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا .

[ ص: 223 ] وهذا حكم الله في البأس بمعنى العقاب الخارق للعادة والذي هو آية بينة ، فأما البأس الذي هو معتاد والذي هو آية خفية مثل عذاب بأس السيف الذي نصر الله به رسوله يوم بدر ويوم فتح مكة ، فإن من يؤمن عند رؤيته مثل أبي سفيان بن حرب حين رأى جيش الفتح ، أو بعد أن ينجو منه مثل إيمان قريش يوم الفتح بعد رفع السيف عنهم ، فإيمانه كامل مثل إيمان خالد بن الوليد ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد ارتداده .

ووجه عدم قبول الإيمان عند حلول عذاب الاستئصال وقبول الإيمان عند نزول بأس السيف أن عذاب الاستئصال مشارفة للهلاك والخروج من عالم الدنيا فإيقاع الإيمان عنده لا يحصل المقصد من إيجاب الإيمان وهو أن يكون المؤمنون حزبا وأنصارا لدينه وأنصارا لرسله ، وماذا يغني إيمان قوم لم يبق فيهم إلا رمق ضعيف من حياة ، فإيمانهم حينئذ بمنزلة اعتراف أهل الحشر بذنوبهم وليست ساعة عمل ، قال تعالى في شأن فرعون فلما أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ، أي فلم يبق وقت لاستدراك عصيانه وإفساده ، وقال تعالى يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا فأشار قوله أو كسبت في إيمانها خيرا إلى حكمة عدم انتفاع أحد بإيمانه ساعتئذ . وإنما كان ما حل بقوم يونس حالا وسيطا بين ظهور البأس وبين الشعور به عند ظهور علاقاته كما بيناه في سورة يونس .

وجملة وخسر هنالك الكافرون كالفذلكة لقوله فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ، وبذلك آذنت بانتهاء الغرض من السورة .

وهنالك اسم إشارة إلى مكان ، استعير للإشارة إلى الزمان ، أي خسروا وقت رؤيتهم بأسنا إذ انقضت حياتهم وسلطانهم وصاروا إلى ترقب عذاب خالد مستقبل .

والعدول عن ضمير الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم إلى الاسم الظاهر وهو الكافرون إيماء إلى أن سبب خسرانهم هو الكفر بالله وذلك إعذار للمشركين من قريش .

التالي السابق


الخدمات العلمية