الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وفي الأوقاص التي بين النصب قولان : ( قال ) : في القديم والجديد : يتعلق الفرض بالنصب وما بينهما من الأوقاص عفو ; لأنه وقص قبل النصاب فلم يتعلق به حق كالأربعة الأولى . وقال في البويطي : يتعلق الفرض بالجميع لحديث أنس : { في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ، ففيها بنت مخاض } ، فجعل الفرض في النصاب وما زاد ولأنه زيادة على نصاب فلم يكن عفوا كالزيادة على نصاب القطع في السرقة . فإن قلنا بالأول ، فملك تسعا من الإبل ، فهلك بعد [ ص: 357 ] الحول وقبل إمكان الأداء أربعة لم يسقط من الفرض شيء [ ; لأن الذي تعلق به الفرض باق ] وإن قلنا بالثاني سقط أربعة أتساعه [ ; لأن الفرض تعلق بالجميع ، فسقط من الفرض بقسط الهالك ] ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : حديث أنس سبق بيانه ، وللشافعي رضي الله عنه قولان : في الأوقاص التي بين النصب ( أصحهما ) : عند الأصحاب أنها عفو ، ويختص الفرض بتعلق النصاب ، وهذا نصه في القديم وأكثر كتبه الجديدة . وقال في البويطي من كتبه الجديدة يتعلق بالجميع ، وذكر المصنف رحمه الله دليلهما ، فلو كان معه تسع من الإبل فتلف منها أربعة بعد الحول وقبل التمكن فإن قلنا : التمكن شرط في الوجوب وجبت شاة بلا خلاف . وإن قلنا شرط في الضمان وقلنا الوقص عفو وجبت شاة أيضا ، وإن قلنا : يتعلق به الفرض وجب خمسة أتساع شاة . هكذا قال أصحابنا في الطريقتين ، ولم يذكر المصنف التفريع على أنه شرط في الوجوب بل أراد الاقتصار على التفريع على الصحيح أن التمكن شرط في الضمان ، ولا بد من تأويل كلامه على ما ذكرته . وهذا الذي ذكرناه من وجوب خمسة أتساع شاة على قولنا : الإمكان شرط في الضمان ، وأن الفرض يتعلق بالجميع هو المذهب ، وبه قطع الجمهور . وحكى القاضي أبو الطيب ومتابعوه عن أبي إسحاق المروزي أن عليه شاة كاملة مع التفريع على هذين الأصلين ، ووجهه ابن الصباغ بأن الزيادة ليست شرطا في الوجوب ، فلا يؤثر تلفها وإن تعلق بها الواجب ، كما لو شهد خمسة بزنا محصن ، فرجم ثم رجع واحد وزعم أنه غلط ، فلا ضمان على واحد منهم ، ولو رجع اثنان وجب الضمان ، وقد سبق بيان هذا التفريع مع فروع كثيرة مفرعة على هذا الأصل في آخر الباب الذي قبل هذا .

                                      ( فرع ) : الوقص بفتح القاف وإسكانها لغتان ( أشهرهما ) : : عند أهل اللغة الفتح ، والمستعمل منهما عند الفقهاء الإسكان واقتصر الجوهري وغيره من أصحاب الكتب المشهورة في اللغة على الفتح ، وصنف الإمام ابن بري المتأخر جزءا في لحن الفقهاء لم يصب في كثير منه ، فذكر من لحنهم [ ص: 358 ] قولهم : وقص بالإسكان ، وليس كما قال . وذكر القاضي أبو الطيب الطبري في تعليقه في آخر باب زكاة البقر وصاحب الشامل في باب زكاة البقر أيضا ، وآخرون من أصحابنا : أن أكثر أهل اللغة قالوا : الوقص بالإسكان ، كذا قال صاحب الشامل : أكثر أهل اللغة وقال القاضي : الصحيح في اللغة الأول ، وقال بعض أهل اللغة : هو بالفتح فالأول ليس هو بصحيح . واحتج مانع الإسكان بأن فعلا الساكن المعتل الفاء لا يجمع على أفعال وهذا غلط فاحش ، فقد جاء وطب وأوطاب ، ووغد وأوغاد ووعر وأوعار ، وغير ذلك فحصل في الوقص لغتان ، قال أهل اللغة والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وغيرهما من أصحابنا : الشنق ( بفتح الشين المعجمة والنون ) : هو أيضا ما بين الفريضتين ، قال القاضي : أكثر أهل اللغة يقولون : الوقص والشنق ، سواء لا فرق بينهما وقال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإبل والوقص مختص بالبقر والغنم واستعمل الشافعي رضي الله عنه في البويطي الشنق في أوقاص الإبل والبقر والغنم جميعا ويقال أيضا : وقس بالسين المهملة . قال الشافعي رضي الله عنه في مختصر المزني : الوقس ما لم يبلغ الفريضة كذا هو في المختصر بالسين وكذا رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار بإسناده عن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه قال البيهقي : كذا في رواية الربيع الوقس بالسين وهو في رواية البويطي بالصاد . وذكر ابن الأثير في شرح مسند الشافعي ما ذكره الشافعي رضي الله عنه ثم قال : والذي رأيته ورويته أنا في المسند الذي يرويه الربيع إنما هو بالصاد ، وهو المشهور وروى البيهقي في السنن بإسناده عن المسعودي حديث معاذ رضي الله عنه في الأوقاص أنه قال : الأوقاس بالسين فلا تجعلها صادا ، هذا ما يتعلق بلفظ الوقص .

                                      وأما معناه فيقع على ما بين الفريضتين ، واستعمله الشافعي رضي الله عنه والمصنف والبندنيجي وآخرون فيما دون النصاب الأول أيضا ، فاستعمال المصنف في قوله : ; لأنه وقص قبل نصاب ، فلم يتعلق به حق كالأربعة الأولى . وأما الشافعي رضي الله عنه ( فقال ) : في البويطي : ليس الشنق من الإبل [ ص: 359 ] والبقر والغنم شيء قال : والشنق ما بين السنين من العدد ، قال : ليس في الأوقاص شيء ، قال : والأوقاص ما لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة . هذا نصه في البويطي بحروفه وقال الشافعي في مختصر المزني : الوقس ما لم يبلغ الفريضة . وروى البيهقي عن المسعودي قال : الأوقاص ما دون الثلاثين يعني من البقر وما بين الأربعين والستين ، فحصل من هذه الجملة أنه يقال : وقص ووقص بفتح القاف وإسكانها ، وشنق ووقس . بالسين المهملة ، وأنه يطلق على ما لا زكاة فيه سواء كان بين نصابين أو دون النصاب الأول لكن أكثر استعماله فيما بين النصابين والله تعالى أعلم . وقول المصنف : كالأربعة الأولة قد تكرر منه استعمال الأولة وهي لغة ضعيفة والفصيحة المشهورة الأولى ، والله تعالى أعلم .

                                      ( فرع ) : في مذاهب العلماء في الأوقاص قد ذكرنا من مذهبنا أن الفرض لا يتعلق بها ، وحكاه العبدري عن أبي حنيفة ومحمد وأحمد وداود ، وهو الصحيح في مذهب مالك ، وعن مالك في رواية أنه يتعلق بالجميع ، وقال ابن المنذر : قال أكثر العلماء : لا شيء في الأوقاص .



                                      ( فرع ) : أكثر ما يتصور من الأوقاص في الإبل تسع وعشرون وفي البقر تسع عشرة وفي الغنم مائة وثمان وتسعون ، ففي الإبل ما بين إحدى وتسعين ومائة وإحدى وعشرين ، وفي البقر ما بين أربعين وستين ، وفي الغنم ما بين مائتين وواحدة وأربعمائة .




                                      الخدمات العلمية