الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولولا أن تصيبهم مصيبة أي عقوبة وهي على ما نقل عن أبي مسلم عذاب الدنيا والآخرة، وقيل: عذاب الاستئصال بما قدمت أيديهم أي بما اقترفوا من الكفر والمعاصي ويعبر عن كل الأعمال وإن لم تصدر عن الأيدي باجتراح الأيدي وتقديم الأيدي لما أن أكثر الأعمال تزاول بها فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا أي هلا أرسلت إلينا رسولا مؤيدا من عندك بالآيات فنتبع آياتك الظاهرة على يده ونكون من المؤمنين 47) بما جاء به، ولولا الثانية تحضيضية كما أشرنا إليه، وقوله تعالى: فنتبع جوابها ولكون التحضيض طلبا كالأمر أجيبت على نحو ما يجاب، وأما الأولى فامتناعية وجوابها محذوف ثقة بدلالة الحال عليه، والتقدير لما أرسلناك، والفاء في فيقولوا عاطفة ليقول على تصيبهم، والمقصود بالسببية لانتفاء الجواب والركن الأصيل فيها قولهم ذلك إذا أصابتهم مصيبة، فالمعنى لولا قولهم إذا عوقبوا بما اقترفوا هلا أرسلت إلينا رسولا فنتبعه ونكون من المؤمنين لما أرسلناك إليهم، وحاصله سببية القول المذكور لإرساله صلى الله تعالى عليه وسلم إليهم قطعا لمعاذيرهم بالكلية ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت كأنها سبب الإرسال بواسطة القول فأدخلت عليها لولا وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية، ونكتة إيثار هذا الأسلوب وعدم جعل العقوبة قيدا مجردا أنهم لو لم يعاقبوا مثلا على كفرهم وقد عاينوا ما ألجئوا به إلى العلم اليقين لم يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولا، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم، وفي هذا من الشهادة القوية على استحكام كفرهم ورسوخه فيهم ما لا يخفى كقوله تعالى: [ ص: 91 ] ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه [الأنعام: 28] هذا ما أراده صاحب الكشاف، وليس في الكلام عليه تقدير مضاف كما هو الظاهر.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب بعضهم إلى أن الكلام على تقدير مضاف أي كراهة أن تصيبهم إلخ، فالسبب للإرسال إنما هو كراهة ذلك لما فيه من إلزام الحجة ولله تعالى الحجة البالغة، وهذه الكراهة مما لا ريب في تحققها الذي تقتضيه لولا ودفعوا بهذا التقدير لزوم تحقق الإصابة والقول المذكور وانتفاء عدم الإرسال كما هو مقتضى لولا، وفي ذلك ما فيه، وقال ابن المنير: التحقيق عندي أن لولا ليست كما قال النحاة تدل على أن ما بعدها موجود أو أن جوابها ممتنع والتحرير في معناها أنها تدل على أن ما بعدها مانع من جوابها عكس لو، ثم المانع قد يكون موجودا وقد يكون مفروضا وما في الآية من الثاني فلا إشكال فيها، واستدل بالآية على أن قول من لم يرسل إليه رسول أن عذب: ربي لولا أرسلت (إلي) رسولا مما يصلح للاحتجاج وإلا لما صلح لأن يكون سببا للإرسال وفي ذلك دلالة على أن العقل لا يغني عن الرسول، والبحث في ذلك شهير، والكلام فيه كثير

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية