الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفة الجنة وأصناف نعيمها

                                                                  اعلم أن تلك الدار التي عرفت همومها وغمومها يقابلها دار أخرى ، فتأمل في نعيمها وسرورها ، فإن من بعد من إحداهما استقر لا محالة في الأخرى ، فسق نفسك بسوط التقوى لتنال الملك العظيم ، وتسلم من العذاب الأليم ، فتفكر في أهل الجنة وفي وجوههم نضرة النعيم ، يسقون من رحيق مختوم ، جالسين على منابر الياقوت ، متكئين على أرائك منصوبة على أطراف أنهار مطردة بالخمر والعسل ، محفوفة بالغلمان والولدان ، مزينة بالحور العين من الخيرات الحسان ، كأنهن الياقوت والمرجان ، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، ينظرون فيها إلى وجه الملك الكريم وقد أشرقت في وجوههم نضرة النعيم ، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ، لا يخافون فيها ولا يحزنون ، ومن ريب المنون آمنون . فيا عجبا لمن يؤمن بدار هذه صفتها ، ويوقن بأنه لا يموت أهلها ولا تحل الفجائع بمن نزل بفنائها ، كيف يأنس ويتهنأ بعيش دونها ، والله لو لم يكن فيها إلا سلامة الأبدان ، مع الأمن من الموت والجوع والعطش وسائر أصناف الحدثان ، لكان جديرا بأن يهجر الدنيا بسببها ، وأن لا يؤثر عليها ما التصرم والتنغص من ضرورته ، كيف وأهلها ملوك آمنون ، وفي أنواع السرور ممتعون ، لهم فيها كل ما يشتهون ، وإلى وجه الله الكريم ينظرون ، وينالون بالنظر من الله ما لا ينظرون معه إلى سائر نعيم الجنان ، ومهما أردت أن تعرف صفة الجنة فاقرأ القرآن فليس وراء بيان الله تعالى بيان ، واقرأ قوله [ ص: 330 ] تعالى : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن : 46 ] إلى آخر سورة الرحمن ، واقرأ سورة الواقعة وسورة الإنسان وغيرها من السور ، ففيها ما يدلك على أن ثمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما ورد في الأثر ، ويكفي من الاطلاع على جملتها ما بينا ، وقد ورد في تفصيل صفتها كثير من الأخبار المدونة في الأسفار الكبار .

                                                                  واعلم أن درجة الآخرة متفاوتة ، فإن الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ، وكما أن بين الناس من الطاعات الظاهرة ، والأخلاق الباطنة المحمودة تفاوتا ظاهرا ، فكذلك فيما يجازون به تفاوت ظاهر ، فإن كنت تطلب أعلى الدرجات فاجتهد أن لا يسبقك أحد بطاعة الله تعالى ، فقد أمرك الله بالمسابقة والمنافسة فيها ، وقال تعالى : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) [ آل عمران : 133 ] ، وقال تعالى : ( إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون ) [ المطففين : 22 - 28 ] .

                                                                  اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونستغفرك من كل ما زلت به القدم أو طغى به القلم ، يا واسع المغفرة يا أرحم الراحمين ؟ .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية